النکتة الرابعة
المناسبة بین السورة وآخر سورة البقرة
ربّما یقال: کمال حال الـرسول الأعظم الـبشری صلی الله علیه و آله وسلم إنّما یظهر فی الـدعوة إلـیٰ اللّٰه تعالیٰ، وتلک الـدعوة تستکمل باُمور سبعـة ذکرها اللّٰه تعالیٰ فی آخر سورة الـبقرة بقولـه: «والْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ باللّٰهِ وَمَلاَئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» وهذه الأربعـة متعلّقـة بمعرفـة الـمبدأ والـربوبیّـة، ثمّ بعد ذلک معرفتـه بالعبودیّـة، وهی مبتنیـة علیٰ أمرین: الأوّل الـمبدأ، والـثانی کمالـه، فما بحذاء الـمبدأ قولـه تعالیٰ بعد تلک الأربعـة: «وَقَالُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا»والـمراد من الـکمال، هو الـتوکّل علیـه الـمتضمّن للإقرار بـه علیٰ نعت الـکمال الإطلاقی، وبإزائـه: «غُفْرَانَکَ رَبَّنَا»، وبذلک ینقطع نظر الـسالک الـعارف عن الأعمال الـبشریّـة والـطاعات الـتوهّمیّـة،
[[page 235]]ویحصل لـه الالتجاء إلـیـه، فإذا استکملت الـربوبیّـة والـعبودیّـة فی ذاتـه، واستولت علیـه صفاتـه الـحمیدة، وخرجت قواه الاستعدادیّـة إلـیٰ الـفعلیّات الـنوریّـة، یحصل لـه الـتوجّـه الـتامّ بالانقطاع الـکلّی إلـیـه؛ بخلع جلباب الـبشریّـة ورفض صیصیـة الإنسانیّـة، فیترنّم بقولـه: «وَإِلَیْکَ الْمَصِیرُ».
فما هو مراتب الإنسان الـمبدأ والأوساط والـمعاد، فإذا کان الـعبد فی سلوکـه الإنسانی متوجّهاً إلـیٰ ربّـه الأعلیٰ، فیکون قارئاً فی الآیات الـسبع الـقرآنیّـة ما یستوفی بـه تلک الـمراتب الـسبع الإنسانیّـة، وهو بالتضرّع والـتخشّع فی مراتب سبع:
فأوّلها: من الـبقرة «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِینَا أَوْ أَخْطَأْنَا» فال ینسیٰ ویتذکّر أوّل آیـة من سورة الـفاتحـة «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ».
وثانیها: «رَبَّنَا وَلاَ تَحمِلْ عَلَیْنَا إِصْرَاً کَمَا حَمَلْتَهُ عَلَیٰ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِنَا»، فیقول: «أَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ» علیٰ هذه الـمنّـة الـمخصوصـة بنا.
وثالثها: «رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» فیترنّم بـ «الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ»لما فیـه کمال رأفتـه ونهایـة شفقتـه بالنسبـة إلـیهم.
ورابعها: «وَاعْفُ عَنَّا»، فیقول: «مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ» فإنّ طلب الـعفو لأجل ظهور الـخشیـة والإقرار بالمَلَکیّـة والـحکومـة الـمطلقـة.
وخامسها: «واغْفِرْ لَنَا» فینادیـه: «إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ»، فیطلب الـغفران لأجل عبادتـه والاستعانـة منـه.
وسادسها: «وَارْحَمْنَا»؛ وذلک لأجل قولـه: «إِهْدِنَا الصِّرَاطَ
[[page 236]]الْمُسْتَقِیمَ».
وسابعها: «أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَیٰ الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ» حتّیٰ لا أکون من الـمغضوب علیهم ولا الـضالّین.
[[page 237]]