المسألة الرابعة
حـول کلمة «الأرض»
«الأرض» الـجرم الـمقابل لـلسماء. هکذا فی «الـمفردات»، والـصحیح أنّها الـجرم الـمقابل لـلسماوی، کما لا یخفیٰ.
وفی «الأقرب»: کرة مظلمـة مرکّبـة من الـجواهر الـمفردة، مؤنّثـة. جمعها اُروض وآراض وأرَضون، وأراضٍ جمعُ واحدٍ متروک، کلیالٍ جمع لـیلات، وکلّ ما سفل فهو أرض. انتهیٰ.
والأصحّ أنّـه لـیس فی معناها الـظلام ولا الـترکیب الـمزبور، ولا یهمّنا الـبحث عن حدود جمعـه الـخلافی جدّاً، ومذکور تفصیلـه فی الـلغـة، ولا سیّـما «تاج الـعروس» وفی بعض الـکتب الـنحویـة والـصرفیـة.
وبالجملة: الأرض معناها معلوم، وهی تقابل الـشمس والـقمر، وأمّا جمع الـشمس بالـشموس والـقمر بالأقمار والأرض بالأرضین وغیرها، فهو إمّا یحکی عن اطّلاع الـقدماء علیٰ أنّ هذه الـکواکب لـیست منحصرة
[[page 396]]بالـواحدة، وهذه الـکرات لا تنحصر بفرد، أو باعتبار قطعات منها، ولا سیّـما فی الأرض، فإنّها باعتبار الـقطعات تجمع بالـضرورة، وهو ولو کان غلطاً بحسب أصل الـلغـة، ولکنّـه صار صحیحاً بعد کثرة الاستعمال، مع أنّ الأظهر أنّها بحسب الـمعنیٰ هی الـسُّفل والـسافلـة فی قبال الـعُلوّ والـعالـیـة، وأنّ الـعرب کانت تحسّ الـکرات الـسماویـة وتُبصر بها، فوضعت بحذائها الـلغات، بخلاف الأرض فلا تحسّ إلاّ جهـة الـسفل، فوضعت حذائها هذه الـلفظـة، ثمّ اُطلقت علیٰ الـکرة، بعد الـقول بأنّ الارض کرة من الـکرات متحیّـرة فی الـفضاء کغیرها.
فتلک الـلفظـة من الألفاظ الـموضوعـة لـلأحداث أوّلاً، ولأجلـه یصحّ جمعها باعتبار الأسافل، ثم انتقلت الـیٰ استعمالـها فی الـجواهر والأعیان والأشخاص، ثمّ بعد ذلک اُطلقت علیٰ الـکلّ ومجموع هذه الـکرة، وعندئذٍ لا بأس بأن تطلق الأرض ویراد منها أرض الـبدن وأرض الاجتماع وأرض الأرواح والأشباح وغیر ذلک؛ لاجتماع الـکلّ فی جهـة الـسفل والله ولیّ الـتوفیق.
وغیر خفیّ: أنّـه بالـرغم من کثرة استعمالـها فی الـکتاب الإلهی الـبالـغ عدده الـیٰ (461) تقریباً، لـم یستعمل فیـه جمعاً وفیـه إشارة الـیٰ أنّ الـجمع الـمذکور والـجموع الـمشار الـیها کلّها خارجـة عن أدب الـعرب أو غریبـة فی أذهان الـعرب الـخلّص.
وممّا یؤیّد ما ذکرناه فی معنیٰ الأرض: تقابل الأرض والـسماء فی الـکتاب الإلهی وفی سائر الاستعمالات، مع أنّ الـسماء لـیست من الـجواهر والأعیان الـخارجیـة.
[[page 397]]وأمّا الـسماوات فهی جمع الـسماوی الـمنتسبـة الـیٰ الـسماء، قال الله تعالـیٰ: «أَوَ لَمْ یَرَوْا إلَیٰ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ»، وقال: «هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَیْرِ الله ِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
وأمّا تقابلها مع الـسموات فی قولـه تعالـیٰ: «لاَ یَمْلِکُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِی السَّمَوَاتِ وَلاَ فِی الْأَرْضِ»، وقال: «إِنَّ الله َ عَالِمُ غَیْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» فهو أیضاً یؤیّد الـمعنیٰ الـثانوی الـذی شرحنا کیفیـة حصولـه، وذکرنا أنّـه الـمتأخّر فی الـحدوث عن الـمعنیٰ الأوّل، فافهم وتأمّل.
[[page 398]]