المسألة الثانیة
حـول أنواع العذاب
أنّ فی قولـه تعالـیٰ: «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ» إشعاراً أحیاناً بأنّ ذلک الـعذاب لـهم، ولیس علیهم، وهذا هو الـذی قرّبناه فی الـعلوم الـحقیقیـة والاعتباریـة، وقد مرّ تفصیلـه فی بحوث سابقـة.
وإجماله: أنّ الـعذاب بین ما یکون متّصلاً ومنفصلاً، فما کان متّصلاً فهو فی قوس الـصعود، ومن تبعات الـذوات والـنفوس والأخلاقیات والـملکات والأفعال والأعمال، الـمکتسبـة فی هذه الـنشأة بالـمبادئ الـمختلفـة، الـراجعـة الـیٰ سلسلـة الآباء والاُمّهات والـیٰ الأشخاص والأفراد أنفسهم.
وما کان منفصلاً فهو من الـموجودات فی قوس الـنزول، اُعدّت لـلکافرین الـجاحدین والـفاسقین الـملحدین، وهُیِّئت لـهم حتّیٰ یتمکّنواـ بعد الـموت والـفراغ عن الـمادّة وبعد انقطاع الـحرکـة والـتبدّلات ـ من إزالـة الـجهات الـرذیلـة والـمفاسد الـسیّـئـة الـمزاوَلـة لـلانسان، الـمتأذی بها تأذّیاً لا حدّ لـه، ولا یمکن تعریفـه فهذه الـنار من شؤون الـرحمـة الـعامّـة الإلهیـة الـتی تنال الـفاسقین، وتوجب استراحتهم عن هموم الـمصاحبـین الـمرجومین، ولأجلـه یصحّ أن یقال: «بَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ»، ویصحّ أن یقال: «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ».
بل تریٰ فی سورة الـرحمن ما هو الأعجب من ذلک؛ حیث قال الله
[[page 376]]تعالـیٰ هناک: «یَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنـْسِ ...» الـیٰ أن قال: «یُرْسِلُ عَلَیْکُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ فَبِأَیِّ آلاَءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ»، فإنّـه عُدّ من الآلاء والـنعماء حسب الـظاهر. والله الـعالـم بحقائق آیاتـه.
وعلیٰ هذا الـنمط أسالـیب مختلفـة من الـکلام، وعلیـه یترتّب الآثار الـکثیرة فی غیر الـمقام، وبذلک یُجمع بین شتات الـمآثیر ومختلفات الآثار، کما یستجمع بـه الـعقل والـنقل، ویساعد علیـه الـبرهان والـکشف والـشهود والـعرفان. والله ولیّ الـتوفیق، وعلیـه الـتکلان.
[[page 377]]