المسألة الثالثة
حول مسألة الجبر
قالت الـمعتزلـة: إنّ خالق الإیمان هو الـعبد لا غیره، وهذه الآیـة تدلّ علیٰ أنّ الإیمان من إنعام اللّٰه تعالیٰ؛ ضرورة أنّ الإیمان إمّا هو الـقدر الـمتیقّن من قولـه تعالیٰ: «أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ»، أو هو الـمقصود لا غیره، أو هو أیضاً داخل
[[page 202]]فی الآیـة، بل قد ورد فی أخبارنا ما یؤیّد الأوّل، وقد مرّ طائفـة منها فیما سبق حول الـمراد من الـصراط الـمستقیم، وهذا هو الـمستظهر من قولـه: «غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلاَ الضَّالِّین»، فإنّ الـنعمـة الـمقابلـة لـلغضب والـضلالـة هی نعمـة الإیمان والاعتقادات الـصحیحـة.
إن قلت: بناءً علیٰ هذا یلزم الـجبر، فإنّ خالق الإیمان إذا کان هو اللّٰه تعالیٰ، فخالق الـکفر أیضاً هو تعالیٰ.
قلت: لـیس معنیٰ خلق اللّٰه الإیمان والـکفر: أنّـه تعالیٰ جُزافاً یُرید الإیمان فی أحد والـکفر فی الآخر، بل الـکفر والإیمان من کمالات الـوجود، ومثل سائر الـصور الـحالّـة فی محالّها ویتقوّم بالإمکانات الـخاصّـة الاستعدادیّـة والـصور الـسابقـة، إلاّ أنّ الإیمان من الـکمالات الـحقیقیّـة والـکفر من الـکمالات الـوهمیّـة.
فبالجملة: لا شبهـة حسب الـبراهین الـمقرّرة فی محلّـه، وسیُوافیک فی بعض الـبحوث الـمناسبـة: أنّ إرادتـه تعالیٰ نافذة، وقدرتـه تعالیٰ عامّـة شاملـة لـکلّ شیء، وأنّ إرادة الـعبد وقدرتـه رَشْحـة من تلک الإرادة الأزلیّـة الـکلّیّـة الـسِّعیّـة، ولها الـدخالـة فی حصول الإیمان والـکفر؛ من غیر کونها علّـة تامّـة، فالإیمان والـکفر من الاُمور الـتی تکون تحت الاختیار والإرادة بمبادئها وإن لا یتعلّق بها الإرادة والاختیار ابتداءً.
[[page 203]]فما یتوهّمـه الـمعتزلـة من : أنّ الإیمان مخلوق الإنسان من أجزاء مقالتهم الـکلّیّـة بالتفویض، کما أنّ من یتوهّم: أنّـه مخلوق اللّٰه من غیر دخالـة إرادة الـعبد، هو أیضاً من أجزاء مقالتـه الـکلّیّـة بالجبر، وخیر الاُمور أوسطها، کما تحرّر وتقرّر.
[[page 204]]