المسألة الاُولیٰ
حول النعمة علیٰ الکافر
اختلفوا فی أنّ للّٰه تعالیٰ نعمـة علیٰ الـکافر أم لا؟ فقال بعض الـعامّـة: لیس للّٰه تعالیٰ علیٰ الـکافر نعمـة، وقالت الـمعتزلـة: للّٰه علیٰ الـکافر نعمـة دینیّـة ونعمـة دنیویّـة.
واحتجّوا علیٰ الـمقالـة الاُولیٰ بقولـه تعالیٰ: «صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ»؛ ضرورة أنّـه لـو کان الـکافر متنعّماً بنعمتـه تعالیٰ، لاندرج تحت هذه الآیـة، ویلزم کون طلب الـهدایـة إلـیٰ الـصراط الـمستقیم طلباً إلـیٰ صراط الـکفّار، وهو باطل بالضرورة.
وتوهّم: أنّ الـصراط الأوّل غیر الـصراط الـثانی، مدفوع: بما تقرّر من الـبدلیّـة.
[[page 199]]أقول: لا شبهـة فی وفور نعم اللّٰه تعالیٰ علیٰ الـکفّار من نعمـة الـوجود وکمالاتـه الـدنیویّـة، ولا شبهـة فی اتّصافهم بالکمالات الـحقیقیّـة الـمعنویّـة الاُخرویّـة إذا کانوا غیر معاندین، بل ورد أنّ مثل حاتم فی الـنار وعلیـه حلقـة تمنع أن تمسّ جسمـه وهی حلقـة الـسخاوة، فما توهّمـه هؤلاء الـفضلاء فهو لـعدم غورهم فی الـمسائل الـحقیقیّـة ولعدم اطّلاعهم علیٰ حقائق الـنعم الإلهیّـة فی الـدار الآخرة، فظنّوا أنّ نعم الـدنیا شیء لا ینبغی لـلکافر، أو لایعطیهم اللّٰه ـ تعالیٰ عن ذلک ـ غفلـة عن الـتوحید الأفعالی، فإنّ کلّ موجود وجوده من اللّٰه، وکمال وجوده منـه تعالیٰ «وَمَا بِکُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ»، «وَمَا أَصَابَکَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ»، «وَلَوْلاَ أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمٰنِ لِبیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَیْهَا یَظْهَرُونَ وَلِبُیُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَیْهَا یَتَّکِئُونَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ کُلُّ ذَ ٰلِکَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَالاْخِرَةُ عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ»، «وَلاَیَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ لِیزْدَادُوا إِثْماً».
فیعلم من هذه الآیات أنّ الـنعم الـنازلـة علیٰ الـکفّار هی من قِبَل اللّٰه تعالیٰ، وفی بعض روایاتنا: أنّـه لـولا الـمخافـة علیٰ إیمان الـمؤمنین لـجعلنا میزابهم من الـذهب.
[[page 200]]فبالجملة: لا بخل فی حضرتـه تعالیٰ، فإذا کانت هناک قابلیّـة لأیّـة نعمـة فهی تُفاض من ناحیتـه الـمقدّسـة؛ لـعدم عجزه عن ذلک، ولا یُخصّ أحد بشیء إلاّ لـخصوصیّـة اکتسابیّـة حسب ما تحرّر فی محلّـه.
[[page 201]]