المسألة الاُولیٰ
حول کلمة «مرض»
الـمرض ـ مُحرَّکةً ـ إظلام الـطبـیعة واضطرابها، بعد صفائها واعتدالـها، کما فی «الـعباب»، وهو قول ابن الأعرابی.
وعن ابن درید: الـمرض الـسقم، وهو نقیض الـصحّـة، یکون لـلإنسان والـبعیر، وهو اسم لـلجنس.
وقال سیـبویـه: الـمرض من الـمصادر الـمجعولـة کالـشغل والـعقل.
وقیل: الـمَرض ـ بالـفتح ـ لـلقلب خاصّـة.
وعن الأصمعی: أنّـه قال: قرأت علیٰ أبی عمرو بن الـعلاء: «فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»، فقال لـی: مَرْض یا غلام.
وقال أبو إسحاق: الـمرض والـسقم فی الـبدن والـدین جمیعاً، کما
[[page 335]]یقال: الـصحّـة فی الـدین والـبدن جمیعاً.
وفی «الـقاموس»: وبالـتحریک أو کلاهما الـشکّ والـنفاق وضعف الـیقین.
وقال ابن الأعرابی: أصل الـمرض الـنقص یقال بدن مریض؛ أی ناقص الـقوة، وقلب مریض؛ أی ناقص الـدین.
وفی «الأقرب»: الـمَرَض والـمَرْض فساد الـمزاج، وقال ابن فارس: الـمرض کلّ ما خرج بالإنسان عن حدّ الـصحّـة؛ من علّـة ونفاق وشکّ وفتور وظلمـة ونقصان وتقصیر فی أمر، جمعـه: أمراض. انتهیٰ ما فی کتب الـلغـة.
والذی هو المهمّ فی النظر: أنّ هذه الـمادّة مخصوصـة بالأعراض الـظاهریـة والـجسمیـة، فیکون استعمالـها فی الانحرافات الـروحیـة من الـمجاز والـتوسّع، بعد وضوح بطلان عکسـه، ولا یحتملـه أحد، أم یعمّ جمیع الانحرافات والأسقام.
ومن الـتدبّر فی موارد استعمالـها فی الـکتاب لا یظهر شیء، لأنّـه فی جمیعها مصحوبـة بالـقرینـة، وهی قولـه تعالـیٰ: «فِی قُلُوبِهِمْ»وأمثالـه.
ومن الـمحتمل کون الانحرافات الـروحیـة مستلزمـة لـبعض الـتحرّفات الـقلبـیـة الـجسمیـة، فیکون فی قلوبهم الـصنوبریـة مرض ظاهر من الأخلاط والأثقال بحسب الـواقع ونفس الأمر.
[[page 336]]وإن اُرید من هذا دعویٰ انحرافاتهم الـروحیـة فلا یلزم مجاز فی الـمفرد.
والإنصاف: أنّ فی عرفنا هذا یکثر استعمالـه فی مطلق الأسقام والآلام الـمعنویـة والـجسمیـة، إلاّ أنّ عند الـسؤال عن مفهوم هذه الـمادّة بلا اقترانها بالـقرائن الـخاصّـة، یتبادر الـجواب الـیٰ أنّـه الانحراف الـجسمانی.
ویحتاج إثبات الأعمّیـة الـیٰ مؤونـة غیر معلومـة جدّاً، وقد اضطربت کلمات الـلّغویین فی هذه الـمسألـة کما عرفت، ومع ذلک یکون الأقرب الـیٰ عبائرهم الاختصاص، وهو الـمساعد لـلاعتبار؛ لأنّ فی بدو حدوث الـلغات، لـم یکن توجّـه من أهل الاستعمال الـیٰ هذه الـتوسعـة، ثمّ بعد ذلک یستعمل للمناسبات والأغراض. وهذا أصل أصیل فی فهم الـحقائق من الـمجازات.
[[page 337]]