البحث السادس
حول الآیة والقول بالتفویض
قیل: هذه الآیـة ردّ علیٰ الـقدریّـة والـمعتزلـة والإمامیـة؛ لأنّهم یعتقدون أنّ إرادة الإنسان کافیـة فی صدور أفعالـه منـه؛ إطاعـة کانت أو معصیـة؛ لأنّ الإنسان خالق لأفعالـه، فهو غیر محتاج فی صدورها عنـه إلـیٰ ربّـه، وقد أکذبهم اللّٰه تعالیٰ فی هذه الآیـة؛ إذ سألوه الـهدایـة إلـیٰ الـصراط الـمستقیم، فلو کان الأمر إلـیهم والاختیار بیدهم ـ دون ربهم ـ لـما سألوه ذلک، ولا کرّروا الـسؤال فی کلّ یوم مرّات. انتهیٰ.
أقول: أمثال هذه الأقاویل کثیرة فی کُتب الـتفاسیر، ولا سیّما تفاسیر إخواننا الإسلامیّـة. وأنت خبیر ـ من غیر حاجـة إلـیٰ أن تکون فیلسوفاً ـ بما فی هذه الاساطیر من : عدم الـتهافت بین الـقول بالتفویض؛ وأنّ اللّٰه خالق الـخلق، والـخلق خالق أفعالهم، والـقول بأنّ اللّٰه تعالیٰ لا یمتنع علیـه الـتصرّف فی الاُمور، والـتدخّل فی أسباب الـسعادة بإیصال وسائل الـخیرات والـمبرّات.
هذا، والإمامیـة ـ وأنا منهم بحمد اللّٰه ولـه الـشکر ـ بریؤون من الـقول بالقدر والـتفویض؛ لأنّ أئمّتهم هدوهم ـ بعون اللّٰه ـ إلـیٰ الـصراط الـمستقیم والاعتقادات الـواقعیّـة الـصحیحـة، الـتی توافق أدقّ الـبراهین الـعقلیّـة
[[page 122]]والـمشاهدات الـعرفانیّـة، ولقد أقرّ بأنّ الأمر بین الأمرین صاحب «تفسیر روح الـمعانی»، وأنّ إرادة الـمخلوق لـیست مستقلّـة فی الـفاعلیّـة، وذلک لما کان یلاحظ کتب الإمامیـة فیما أتیٰ بـه، ولا سیّما کتاب صدر الـمتألّهین قدس سره وقد أخذ منـه کثیراً من الـحقائق، فراجع.
نعم هذه الآیـة تشهد علیٰ أنّ الإنسان، یحتاج إلـیٰ الإمداد الـغیبی والإعداد الإلهی والاستعانـة والإعانـة الـربانیّـة.
[[page 123]]