سورة البقرة

الوجه التاسع : حول استثناء «إلاّ أنفسهم»

الآیة التاسعة من سورة البقرة / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 153745 | تاریخ : 12/03/1395

الوجه التاسع

‏ ‏

حول استثناء «إلاّ أنفسهم»

‏ ‏

‏حذف الـمستثنیٰ منـه دلیل علیٰ أنّ الآیـة ناظرة الـیٰ قضیّـة شخصیـة،‏‎ ‎‏وإلاّ یلزم أن یکون جمیع الـخدعات راجعـة الـیٰ الـمخادعین، مع أنّ‏‎ ‎‏الـضرورة قاضیـة بخلاف ذلک، فقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَمَا یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ‏»‏‎ ‎‏یرجع الـیٰ أنّهم ما یخدعون الـمؤمنین والـمسلمین، ولکن یخدعون أنفسهم،‏
‎[[page 308]]‎‏فیکون الاستثناء منقطعاً، أو یکون الـمراد مطلق الـمؤمنین والـمسلمین، دون‏‎ ‎‏الـطائفـة الـمخصوصین، فیکون خداع مُخادعی الـمؤمنین راجعاً الـیٰ أنفسهم‏‎ ‎‏فی جمیع الأعصار والأزمان، وعلیٰ کلّ تقدیر یکون الاستثناء منقطعاً. وربّما‏‎ ‎‏یقال: إنّ الاستثناء الـمنقطع علیٰ خلاف الأصل، أو أنّ الـکتاب والـسُّنّـة‏‎ ‎‏خالـیان عن الاستثناء الـمزبور، وتفصیلـه یأتی فی مقام آخر.‏

والذی هو التحقیق:‏ إمکانـه وجوازه ووقوعـه وحسنـه فی الأدب‏‎ ‎‏والـبلاغـة جدّاً، وأنّـه مؤکّد لـلعموم ویوجب صراحـة الـجملـة فی‏‎ ‎‏الاستغراق والإطلاق.‏

‏ولکن الـشأن إمکان کون الآیـة من الاستثناء الـمتّصل الـمفرَّغ، ویکون‏‎ ‎‏الـمحذوف من الـعناوین الـعامّـة، وتصیر الآیـة: وما یخدعون إنساناً أو أحداً‏‎ ‎‏إلاّ أنفسهم، ولا یکون ذلک من الـکذب؛ لأنّ نظر الـقرآن الـیٰ أنّ وبال‏‎ ‎‏الـخدعـة راجع علیهم فی الـحقیقـة، فیکون هناک نوع ادّعاء أو مبالـغـة‏‎ ‎‏مستحسنـة أو تکون الآیـة فی موقف توبیخهم بإرجاع ثمرات الـملکات‏‎ ‎‏الـفاسدة الـیٰ أربابها وأصحابها.‏

وبالجملة : هنا أسئلة :

‏الأوّل:‏‏ هل الاستثناء منقطع أم متّصل ؟‏

الثانی:‏ کیف یتصوّر خداع أنفسهم علیٰ نعت الـحقیقـة؟‏

الثالث:‏ هل یمکن أن یکون حذف الـمتعلّق فی قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَمَا‎ ‎یَشْعُرُونَ‏»‏‏دلیلاً علیٰ ما هو الـمحذوف وما هو الـمستثنیٰ منـه فی قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏وَمَا یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ‏»‏‏؟‏

الجواب:‏ یمکن الالتزام بکلٍّ من الاستثناءین، کما عرفت، کما یمکن أن‏
‎[[page 309]]‎‏یکون ذیل الآیـة دلیلاً علیٰ أنّ الـمحذوف والـمستثنیٰ منـه عنوان الـشیء‏‎ ‎‏وأمثالـه؛ لأنّ مقتضیٰ نفی الـشعور عنهم صدق الـعناوین غیر الـشاعرة علیهم‏‎ ‎‏کما لا یخفیٰ.‏

‏وأمّا خداع أنفسهم فسیأتی تحقیقـه فی بعض الـبحوث الاُخر، ولکن‏‎ ‎‏قضیّـة الأنظار الـعرفیـة فی هذه الآیات: أنّ الـنظر یکون الـیٰ حقیقـة‏‎ ‎‏الـخدعـة، والـیٰ ما هو مغزاها ومرجعها حسب الـتبعات والـمقتضیات فی‏‎ ‎‏الـنشآت الاُخرویـة، أو یکون الـمقصود إفادة أنّ الـخدعـة إذا کانت معلومـة‏‎ ‎‏عند من اُرید خداعـه، لا تکون إلاّ خدعـة الـخادعین؛ لأنّها لـیست من‏‎ ‎‏الـخدعـة واقعاً بالـنسبـة الـیهم، فترجع الـیٰ أنفسهم، ویکونون هم‏‎ ‎‏الـمخدوعین؛ غافلین عن ذلک، ولا یشعرون بذلک.‏

‎ ‎

‎[[page 310]]‎

انتهای پیام /*