سورة الفاتحة

البحث الثانی : حول الهدایة التکوینیة والتشریعیة

الناحیة السابعة حول قوله تعالیٰ «إِهْدِنٰا الصّرٰاطَ الْمُسْتَقِیم» / المبحث الثالث : حول ما یتعلّق بالکلمات والجمل الناقصة وهنا یقع الکلام فی نواحٍ شتّیٰ :

کد : 153749 | تاریخ : 12/03/1395

البحث الثانی

‏ ‏

حول الهدایة التکوینیة والتشریعیة

‏ ‏

‏إنّ الـهدایـة: إمّا تکوینیّـة أو تشریعیّـة، وعلیٰ الـتقدیر الأوّل: إمّا إلـیٰ‏‎ ‎‏أصل الـوجود أو إلـیٰ کمال الـوجود وجمالـه، وعلیٰ کلّ تقدیر یکون الـکلّ‏‎ ‎‏من الـهدایـة والـخروج عن الـضلالـة، ویشترک الـکلّ فی هذا الـمفهوم‏‎ ‎‏الـواسع، وإنّما الاختلاف فی مصادیقها وکیفیّاتها:‏

‏أمّا الـهدایـة الـتشریعیّـة: فهی الـهدایـة الـتی تجیء من قِبَل إنزال‏‎ ‎‏الـکتب وإرسـال الـرسـل والأنبـیاء، وتبلیـغ الـمبلّغین والـعلماء فی کـلّ‏‎ ‎‏عصـر ومصـر.‏

‏وأمّا الـهدایـة الـتکوینیّـة إلـیٰ أصل الـوجود: فهی الـهدایـة‏‎ ‎‏الـمطلوبـة بلسان الـذات، فإنّ الأعیان الـثابتـة والـماهیّات، یطلبون بلسان‏‎ ‎‏ذواتهم الـهدایـة من ضلالـة الـعدم ـ الـتی هی أشدّ الـضلالات ـ إلـیٰ دار‏‎ ‎‏الـوجود والـنور، ویریـدون منـه تعالیٰ الـخروج مـن الـظلمات الـذاتیّـة‏‎ ‎‏إلـیٰ الـنور.‏


‎[[page 107]]‎‏وأمّا الـهدایـة الـتکوینیّـة إلـیٰ کمال الـوجود وجمالـه: فهی فی نظر‏‎ ‎‏حاصلـة لـکلّ أحد، وفی نظر حاصلـة لـطائفـة خاصّـة:‏

‏وأمّا الـنظر الأوّل: فهو أنّ کلّ موجود فی الـنظام الأتمّ الإلهی ـ بالقیاس‏‎ ‎‏إلـیٰ ذلک الـنظام ـ مهتدٍ إلـیٰ ما هو لازم الـنظام الـکلّی، فلا ضلالـة فی هذه‏‎ ‎‏الـمرحلـة وهذه الـنظرة.‏

‏وأمّا الـنظر الـثانی: فهو أنّ الأشیاء ـ بحسب الـحالات الـفردیّـة‏‎ ‎‏والـشخصیّـة ـ مختلفـة الاُفق ومتفاوتـة الـدرجات والـسبل، ومتشتّـتـة‏‎ ‎‏الـمسالک والـطرق، فمنها ما یصل إلـیٰ الـغایـة الـمقصودة، فهو الـمهتدی‏‎ ‎‏إلـیها، ومنها مالا یصل إلـیها، فهو الـضالّ عنها. وهذا أمر عمومیّ کلّیّ داخل‏‎ ‎‏فی عمومـه جمیع الـحقائق الـوجودیـة من قذّها إلـیٰ قذیذها ممّا یترقّب لـه‏‎ ‎‏الـکمال بعد الـنقص، دون الـموجودات الأمریّـة الـتی لا ترقّب لـها ولا ترقّی‏‎ ‎‏فیها، ولا خروج لـها من الـظلمات إلـیٰ الـنور.‏

‏فعلیٰ هذا فهل الـمطلوب فی قولنا: ‏‏«‏إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ‏»‏‏ هی‏‎ ‎‏الـهدایـة الـتشریعیّـة إلـیٰ الإسلام والإیمان بالإقرار باللسان مثلاً، أو هی‏‎ ‎‏الـهدایـة الـتکوینیّـة بالوصول إلـیٰ غایـة الـمأمول ونهایـة الـمسؤول،‏‎ ‎‏والـدخول فی دار اللّٰه الـموجب لـلبقاء ببقاء اللّٰه، الـمورث لـلالتذاذات‏‎ ‎‏الـروحانیّـة وللتکیّفات الـمعنویّـة الـتی لاتدرکـه الـعقول الـبشریّـة، أم هی‏‎ ‎‏جمیع أنحاء الـهدایات؛ حتّیٰ یکون الـصراط الـمستقیم بناءً علیٰ ذلک ـ أیضاً ـ‏‎ ‎‏مختلفاً بحسب الـمصادیق؛ ضرورة أنّ الـصراط الـمستقیم فی الـهدایـة‏‎ ‎‏الـتشریعیّـة غیره فی الـهدایـة الـتکوینیّـة.‏

إذا عرفت وأحطت إجمالاً بما فی هذه السطور تأتی الشبهة:‏ وهی أنّ من‏
‎[[page 108]]‎‏الـواجب الـدعاء بالنسبـة إلـیٰ ما یمکن تحقّقـه ویصحّ ترقّبـه، ومن الـبدیهی‏‎ ‎‏أنّ الـضلالـة الـتکوینیّـة؛ وعدم الـوصول إلـیٰ الـغایات الـطبیعیّـة فی هذه‏‎ ‎‏الـنشأة الـملکیّـة الـناسوتیّـة، من الأمر الـواضح الـلازم لـتلک الـطبیعـة، ولا‏‎ ‎‏یُعقل الـتفکیک؛ لأنّ دار الـطبیعـة ومنزل الـمادّة، دار الاصطدام والـمزاحمـة،‏‎ ‎‏ولو کان یمکن عقلاً هذا الـتفکیک لـکانت هذه الـنشأة من الـنشآت الإلهیّـة‏‎ ‎‏الـمجرّدة، فأخیرة الـتجلّیات ـ وهی الـتجلّی الـفعلی فی الـموادّ‏‎ ‎‏والـمادّیات تستـتبع هذه الـتبعات طبعاً وقهراً، فکیف یُعقل طلب الـهدایـة‏‎ ‎‏بمعناها الـواقعی والـحقیقی؟ فلابدّ وأن ینحصر الـطلب بالهدایـة الـتشریعیّـة.‏

أقول:‏ الـهدایـة الـتشریعیّـة فی نظر تشریعیّ، ولکن الاهتداء بتلک‏‎ ‎‏الـهدایـة تکوینیّ؛ لأنّـه لـیس مجرّد الاعتبار والـتخیّل کالاُمور الاعتباریّـة،‏‎ ‎‏فعلیٰ هذا یلزم سقوط الـدعاء بالنسبـة إلـیها. وغیر خفیّ أنّ هذا الـدعاء غیر‏‎ ‎‏الـدعاء بالنسبـة إلـیٰ حاجـة من الـحوائج الاُخر؛ کإعطاء درهم لـسدّ‏‎ ‎‏الـجوع؛ ضرورة أنّ الـنظر من الـهدایـة هو استطراق طریق الـوصول إلـیٰ‏‎ ‎‏غایـة الـطبیعـة ومقتضیاتها؛ أی استدعاء الـشجرة هو الـبلوغ إلـیٰ أن تثمر‏‎ ‎‏ثمراتها الـممکنـة لـها طبعاً، واستدعاء الـحیوان هو الـوصول إلـیٰ الـکمال‏‎ ‎‏الـمترقّب الـحیوانی، وهکذا الإنسان، وحیث إنّ فطرة الإنسان فطرة الـتوحید‏‎ ‎‏وفطرة الـعشق لـلکمال الـمطلق، فهدایتـه هو إبلاغـه إلـیٰ ذلک الـعشق، وهذا‏‎ ‎‏غیر ممکن بالإمکان الاستعدادی لا الـذاتی والـوقوعی، بل وغیر ممکن‏‎ ‎‏بالإمکان الـوقوعی؛ لـلزوم الـخلف، وهو کون هذه الـنشأة مادّیّـة غیر‏‎ ‎‏مزاحمـة، فتدبّر.‏

فعلیٰ ما تقرّر وتحرّر:‏ یُشکل طلب الـهدایـة بمعناها الـواسع الـتکوینی‏
‎[[page 109]]‎‏الـمطلق، فلابدّ من أن یقال: إنّ الـنظر فی هذا الـطلب إلـیٰ الـهدایـة‏‎ ‎‏الـتکوینیّـة الـنسبیّـة؛ بتحصیل الـمُعِدّات والـمقدّمات الإعدادیّـة الـلازمـة؛‏‎ ‎‏حتیٰ ینال الـحقائق ویصل إلـیٰ الـمرتبـة الاُخریٰ؛ لـما فیـه من کمال‏‎ ‎‏الـوجود؛ ضرورة أنّ الـوصول إلـیٰ أصل الـوجود ومنبع الـغیب والـشهود،‏‎ ‎‏یحتاج إلـیٰ الاُمّهات الـشامخـة والأصلاب الـمطهّرة، وأمّا الـوصول إلـیٰ‏‎ ‎‏غایـة طبیعـة الإنسان وسیره الـعلمی والـعملی، الـبالغ إلـیـه الـنبیّ‏‎ ‎‏الأعظم ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏والـولیِّ الـمعظّم، فهو من الآمال، ولا یخرج منها.‏

‏ ‏

‏دست ما کوتاه و خرما بر نخیل‏

‎ ‎‏پای ما لنگ است منزل بس دراز‏

‏ ‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ الـترنّم بهذا الـدعاء، واستدعاء ذلک لـکلّ أحد ـ مع قطع‏‎ ‎‏الـنظر عن الآخر ـ بإظهار الاشتیاق الـشدید إلـیٰ تلک الـمنزلـة، وإبراز‏‎ ‎‏الـحبّ الأکید لـلوصول إلـیٰ تلک الـغایـة، یستلزم انفتاح أبواب الـخیرات،‏‎ ‎‏وربّـما یتّـفق ـ لـحصول نار الـعشق فی وجوده ـ الإعدادُ والاستعداد‏‎ ‎‏لـلخیرات الإلهیّـة الإطلاقیّـة، وللحرکـة الـطبیعیّـة الـشوقیّـة إلـیٰ دار‏‎ ‎‏الـجنّـة والـمنزل الأرفع.‏

‏فما ذکرناه فهو بالقیاس إلـیٰ کلّیّ ما فی الـنظام الـکیانی الـتابع لـلنظام‏‎ ‎‏الـربّانی والإلهی، وقد أشرنا إلـیٰ أنّ ذلک لا یستـتبع امتناع الـوصول ذاتاً؛ وإن‏‎ ‎‏کنّا نعلم إجمالاً بأنّ الـطریق مسدود، والأبواب بالنظر إلـیٰ حالات الأشخاص‏‎ ‎‏مسدودة بالانسداد الـجائی من قِبَلهم.‏

وإن شئت قلت:‏ الـهدایـة الـتشریعیّـة أمر یحصل من إنزال الـکتب‏‎ ‎‏وإرسال الأنبیاء والـرسل، وبالإقرار بذلک اهتدیٰ الـرجل.‏

‏ولکنّ الـهدایـة الـتکوینیّـة لـیست من الاُمور الـجائیـة من الـغیب‏
‎[[page 110]]‎‏دفعـة وفی مائدة حتّیٰ نبتلعها، بل هی تحصل من الـجدّ والاجتهاد ومن‏‎ ‎‏سلوک الـطرق الـصعبـة جدّاً، الـمعضلـة والـمشکلـة واقعاً، وهذا ممّا لا‏‎ ‎‏یحصل بدواً وابتداعاً، بل لابدّ وأن یکون من قِبَل الـمعشوق علیٰ الإطلاق نظر‏‎ ‎‏واستدعاء.‏

‏ ‏

‏تا که از جانب معشوق نباشد کششی‏

‎ ‎‏کوشش عاشق بیچاره بجایی نرسد‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 111]]‎

انتهای پیام /*