المسألة الثالثة
حول عدم ذکر متعلّق الآیة
قد سبق أن ذکرنا حذف جملـة متعلّقـة بقولـه: «إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ»؛ لأنّ الـمقصود لـیس الـهدایـة إلـیٰ الـصراط وهو الـطریق، بل الـمأمول وغایـة الـمؤول هو الـنیل بذی الـطریق والـسبیل؛ أی اهدنا الـصراط الـمستقیم إلـیٰ الـبلاد والـممالک والـقُریٰ والـقَصَبات، وحیث إنّ الـحذف ـ ولا سیّما فی أمثال الـمقام ـ دلیل الـعموم، فیکون الـمطلوب أعمّ، والـمقصود بالذات أشمل، وکلُّ ما فی حیطـة هدایـة اللّٰه وإرشاده وتحت سلطان قدرتـه وإرادتـه، هو مورد نظر الـقارئ الـملتفت إلـیٰ أطراف الـمسألـة وحدود الـقضیّـة.
ولمّا کان الـقُرّاء الـکرام مختلفی الآفاق ومتشتّـتـة الأفهام والـمدارج، یکون الـمقصود من ذی الـطریق وذی الـصراط الـمستقیم، تابعاً لـحدود وجوده وإمکانیّاتـه واستعداده، فإذا قرأنا الآیـة فلا نرید منها ما یرید منها الـرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلموالـولیّ الـمعظّم قطعاً وطبعاً.
وبالجملة: لا داعی إلـیٰ دعویٰ أنّـه استدعاء الـهدایـة إلـیٰ جهـة خاصّـة؛ ومملکـة معیّنـة من ممالک الـوجود، بل هی لـطلب الـهدایـة إلـیٰ الـصراط الـمستقیم الـمنتهی إلـیٰ أنحاء الـخیرات وأنواع الـسعادات وأقسام الـکمالات، والـمنتهی إلـیٰ ربّ الـراقصات، وإلـیٰ الـمطلوب الـمطلق
[[page 96]]والـعشق الأوّل.
ویؤیّد ذلک: أنّ الـمتکلّم لا یرید أن یهتدی إلـیٰ ما هو فی الـطریق، ویدعو ربّـه الـهدایـة إلـیٰ الـصراط الـمستقیم بالألسنـة الـمختلفـة، بل هو یتمایل ویعشق ویشتهی ویرید ـ حسب الـفطرة واستعدادها ـ الـهدایـة إلـیٰ مالا وراءه شیء ولا بلدة ولا قصبـة، فیکون طلبـه الـهدایـة إلـیٰ «عبادان»، فإنّـه لـیس وراء «عبادان» قریـة.
ومن هنا یظهر: أنّ تفسیر الـصراط الـمستقیم بالرسول ـ کما فی أحادیث الـعامّـة والـخاصّـة ـ وبالولیّ وبالأمیر وبالإسلام وبغیر ذلک، کلّ ذلک لأجل أنّها الـطرق إلـیٰ اللّٰه، والـطرق إلـیـه بعدد نفوس الـخلائق، وما هو أحسن الـطرق مختلف حسب آراء الـقُرّاء، فیکون هو الإسلام، وهو الإیمان، وهو الـمؤمن، وغیر ذلک، وحیث إنّ أحسن الـطرق هو الـرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلموالإنسان الـکامل والـولیّ الـمعظّم، فکأنّـه قیل: اهدنا إلـیٰ الإنسان الـکامل، الـمؤدّی إلـیٰ أصل الـوجود ومنبع الـخیر والـشهود، الـذی لایسأل الـهدایـة، بل بهداه اهتدوا، ولا یأمل الـثبات علیها، بل بحفظـه حُفِظوا. واللّٰه الـعالم.
[[page 97]]