البحث الأوّل
حول حدوث کلام اللّٰه وقدمه
قضیّـة ما تحرّر فی الـتفسیر أنّ قولـه تعالـیٰ: «إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا»هم الـکفّار الـسابقون الـمکّیّـون فقط أو هم وجماعـة من الـمدنیّـین،ومقتضیٰ هیئـة الـماضی أنّ الـمراد هی الـجماعـة الـمتقدّمون علیٰ عصر الـنزول؛ أی نزول هذه الآیـة والـسورة، فتدلّ الآیـة علیٰ أنّ کلام اللّٰه محدَث ومتأخّر عن الـمخبر عنـه، خلافاً لمن توهّم قدم الـکلام.
أقول: کلام اللّٰه تعالـیٰ لایُخصّ بالـحروف والأصوات الـمسمّاة بالـقرآن والـکتاب، بل الـعالَم کلّـه کلام اللّٰه ، ومن الـعالَم هذه الأصوات الـمنسجمـة تحت الـنظام، فیکون من کلامـه تعالـیٰ، فإذا کان الـعالَم حادثاً فجمیع ما فی الـعالم محدَث بالـضرورة.
[[page 127]]إنّما الـبحث حول أنّ قضیّـة حدوثِ الـکلامِ والـعالَمِ حدوثُ الـصفـة، وهی الإرادة؛ لأنّها متعانقـة مع الـمراد، وغیر منفکّـة عنـه، فلابدَّ من الالتزام بأنّ الإرادة من أوصاف الأفعال، ولیست من نعوت الـذات، خلافاً للفلاسفـة قاطبةً، والـذی هو الـحجر الأساسی أنّ الإرادة الـتی هی الـفعل، لابدّ وأن تستند الـیٰ الإرادة الـذاتیّـة والاختیار الـذاتی، وهی تابعـة فی علّیتها لکیفیـة تعلّقها؛ فإن تعلّقت بشیء أن یوجد فیما لایزال، فلابدّ أن یکون الأمر کذلک، والـتخلّف عن ذلک خلاف قاعدة الـعلّیـة، فالإرادة وإن کانت فی حقّـه تعالـیٰ الـجزء الأخیر من الـعلّـة الـتامّـة ـ علیٰ تسامح فی الـتعبـیر ـ إلاّ أنّ أمرها بید الـمرید الـمختار بالاختیار الـذاتی، فما تخیّـلـه أبناء الـکلام وأولاد الـعلوم الـمتروکـة فی هذه الـمقامات، فهو ممّا لایُصغیٰ الـیـه، لاسیّـما فی هذا الـعصر عصر الـنبوغ والـمحقّقین وزمان الـفکر والـمدقّقین. أعاذنا اللّٰه من شرور أنفسنا إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.
[[page 128]]