سورة البقرة

الفلسفة والحکمة

المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 154494 | تاریخ : 18/03/1395

الفلسفة والحکمة

‏ ‏

‏ربّما یستدلّ بهذه الآیـة علیٰ أنّ الـهدایـة الـتی حقیقتها الإیمان‏‎ ‎‏والإیقان بالـغیب والآخرة، وبالـکتاب وبالـرسالـة من ناحیـة الـربّ ومن‏‎ ‎‏مخلوقات الـحقّ ولو کانت هدایـة الـمؤمنین من أنفسهم وباجتهادهم وتفکّرهم‏‎ ‎‏کان ینبغی أن یقال: اُولئک علیٰ هدیً من أنفسهم‏‎[1]‎‏.‏

‏وإذا کانت الـهدایـة من الـربّ فالـغوایـة والـضلالـة أیضاً بإرادتـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ، فلا معنیٰ لدعویٰ صحّـة الـعقوبـة والإنعام علیٰ الأفعال ، بل الآیـة تدلّ‏‎ ‎‏علیٰ مقالـة الأشعری، الـقائل بالـجبر؛ لأنّ الـصلاة والـزکاة هدایـة قطعاً،‏‎ ‎‏فتکون من ربّهم، فلایتوسّط الإرادة واختیار الـعبد.‏

ومن الممکن دعویٰ:‏ أنّ الـسبب لفعل الـخیر هی الـهدایـة، وإذا کان‏‎ ‎‏الـسبب من اللّٰه تبارک وتعالـیٰ فالـسبب یستند الـیـه، فلا حاجـة فی تتمیم‏‎ ‎‏الاستدلال الـیٰ دعویٰ : أنّ فعل الـصلاة من الـهدایـة، مع أنّ الـظاهر من قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏أُولَـٰئِکَ‏»‏‏أنّ الـمشار الـیـه هو الـمتّقی الـفاعل للصلاة والـزکاة، لا‏
‎[[page 90]]‎‏الـمتّقی بنعت الاتّقاء فقط.‏

أقول:‏ لو تمّ هذا الاستدلال للزم الـمکاذبـة والـمناقضـة بین صدر الآیـة‏‎ ‎‏وذیلها؛ لأنّ قولـه تعالـیٰ:  ‏‏«‏وَأُولَـٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏»‏‏ ظاهر فی استناد الـفلاح‏‎ ‎‏الـیهم، وأنّهم هم الـفائزون حقیقـة، ولایصحّ الـمدح والـثناء علیٰ فعل غیر‏‎ ‎‏اختیاریّ.‏

وحلّ المشکلة:‏ أنّ مقتضیٰ ما بُرهن ‏‏[‏‏علیـه‏‏]‏‏ فی محلّـه أنّ جمیع الـصور‏‎ ‎‏والـکمالات تُفاض من الـغیب، وتتنزّل من سماء الـحقّ والـعظمـة حسب‏‎ ‎‏اختلاف الاستعدادات، ویکون اختلاف الاستعدادات مستندة الـیٰ الأسباب‏‎ ‎‏الاختیاریّـة وغیر الاختیاریـة، ومن الأسباب الاختیاریّـة الـجدّ والاجتهاد فی‏‎ ‎‏فهم الـواقعیّـات، فإذا قام الإنسان، وسلک طریق الـوصول الـیٰ الـحقائق‏‎ ‎‏والـتوحید والإیمان، هداه اللّٰه تعالـیٰ، فیکون من ‏‏«‏أُولَـٰئِکَ عَلَیٰ هُدیً مِنْ‎ ‎رَبِّهِمْ‏»‏‏، ولمکان قیامهم بتحصیل تلک الـهدایـة، یکون اُولئِک هم الـمفلحین،‏‎ ‎‏فإذا کانت إرادتهم دخیلـة فی حصول صورة الـهدایـة یصحّ مدحهم والـثناء‏‎ ‎‏علیهم.‏

‎ ‎

‎[[page 91]]‎

  • )) الجامع لأحکام القرآن 1 : 181 .

انتهای پیام /*