البحث الثانی
حول کون التقویٰ خالصاً
یُستشمّ من الـکریمـة: «وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ»: أنّ الـمتّقین یؤمنون بالـغیب ویقیمون الـصلاة وممّا رزقناهم ینفقون؛ من غیر نظر الـیٰ توابع هذا الإیمان من الـحسنات الـدُّنیویّـة والـمَلَکات الاُخرویّـة، ومن غیر ریاء وسمعـة، بل تکون أعمالـهم الـقلبـیّـة والـقالَبـیّـة خالصةً عن جمیع الأغراض والـغایات الـراجعـة الـیٰ اُمورهم، ویؤمنون بما اُنزل الـیک وما اُنزل من قبلک أیضاً مخلصین وخالـصـة من شوب الـکدورات الإمکانیّـة ومن غیر إشراب الـلذائذ الـنفسانیّـة، بل الـعقلانیّـة، ولذلک یقول: «وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ»، لا للآخرة یعملون، ولا أنّهم فی الآخرة یُحشرون، بل هم الـموجودون الـفارغون عن هذه الـهوسات الـظلمانیّـة، وعن تلک الـرذائل الـمادیّـة.
ولذلک ورد فی أحادیثنا الـشریفـة: أنّ من الـمتّقین والـمؤمنین من یدعیٰ الـیٰ الـجنّـة فلایلتفت الـیها، وفیها: «أنّ الـجنّـة أشوق الـیٰ سلمان من
[[page 49]]سلمـان الـیها»، فإنّ سلمان قد جاوز حدّ الـمشتهیات الـنفسانیّـة الـدنیویّـة والاُخرویّـة، رزقنا اللّٰه تعالـیٰ . فعلیٰ هذا الـمعنیٰ یصحّ أن یقال بعد ذلک: «أُولَـٰئِکَ عَلَیٰ هُدیً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَـٰئِکَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ».
[[page 50]]