المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الحقّ ترکّب المشتقّ من الذات والتقیّد الحرفیّ

الأمر الرابع : بساطة المشتقّ وترکّبه / الأقوال فی مسألة المشتقّ / المبحث الثانی عشر : فی المشتقّ

کد : 156248 | تاریخ : 27/04/1395

الحقّ ترکّب المشتقّ من الذات والتقیّد الحرفیّ

‏ ‏

‏إذا تبیّن لک هذه الوجوه، وتبیّن امتناع بعضها، فاعلم : أنّ النسبة لا واقعیّة لها؛‏‎ ‎‏بمعنی الوجود الرابط، علیٰ ما تقرّر منّا فی محلّه‏‎[1]‎‏، فلو اُرید من «النسبة» فی هذه‏‎ ‎‏الوجوه ذلک الوجود ـ کما هو الظاهر ـ فیمتنع القول بالترکیب من النسبة وشیء‏‎ ‎‏آخر، وهکذا القول : بأنّ الموضوع له هی ذات النسبة فقط.‏

‏فیبقیٰ من الاحتمالات، احتمالُ کونه مرکّباً من الذات والمبدأ، ومرکّباً من‏‎ ‎‏الذات الملحوظ معها المبدأ، فیکون مفاد «ضارب» الفاعل والفعل، أو یکون مفاده‏
‎[[page 400]]‎‏فاعل الفعل، وأمّا نفس الفعل فهو خارج عن مدلول الهیئة.‏

‏والاحتمال الأوّل فاسد بالضرورة، وإلاّ یلزم تکرّر الدالّ؛ لأنّ المادّة تدلّ‏‎ ‎‏علی الفعل والحدث، ولو کان مفاد الهیئة أیضاً ذلک یلزم کون کلمة «ضارب» دالّةً‏‎ ‎‏علی الضرب مرّتین.‏

ومن هنا یعلم :‏ أنّ القائل بترکیب المشتقّ من الذات والنسبة والحدث‏‎[2]‎‏،‏‎ ‎‏خلط بین مفهوم المشتقّ ـ أی مفاد الهیئات الاشتقاقیّة ـ وبین مفهوم «ضارب»‏‎ ‎‏و«عالم» بإدخال مفاد المادّة فی مدلول المشتقّ، وهذا خلط واضح؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الجهة المبحوث عنها هی مفاد الهیئات، دون الموادّ المقارنة لها.‏

‏فتعیّن علیٰ هذا، کون الهیئة دالّةً علیٰ الذات بما أنّها مبدأ الحدث ومصدر‏‎ ‎‏الفعل وعلّة ذلک، أو موضوعه ومحلّه. وهذا هو موافق للذوق، وللتبادر، وللبرهان؛‏‎ ‎‏وذلک لأنّ کلّ طبیعة إذا وجدت فی الخارج، فلابدّ وأن تلحقها خصوصیّات کثیرة؛‏‎ ‎‏من الزمان والمکان والعلّة، وأمثال ذلک؛ کالکم والکیف، وکلّیة المقولات، وإذا‏‎ ‎‏لوحظ مثلاً الضرب، فإن لوحظ بنفسه فله لفظ یخصّه.‏

‏وإذا لوحظ أنّه صدر من الفاعل، فإن وضع اللفظ بحذاء صدوره من الفاعل،‏‎ ‎‏فیکون اللفظ موضوعاً للمبدأ بتلک الخصوصیّة، ویلزم کون الوضع المزبور‏‎ ‎‏وضعاً شخصیّاً.‏

‏وأمّا إذا رأی الواضع الحاجة إلی الوضع النوعیّ، فلابدّ من لحاظ الذات التی‏‎ ‎‏هی مصدر ذلک الضرب، فإذا وضع الهیئة لتلک الذات، لاحظاً صدور الفعل منها بنحو‏‎ ‎‏الإجمال فی الذات، وعلّیتها للفعل، یکون الوضع نوعیّاً، ویصیر مفاد المشتقّ هی‏‎ ‎‏الذات الملحوظة معها المادّة والحدث.‏

‏وبهذا التقریب یتمّ المطلوب فی الجوامد، کـ «الزوج، والحرّ، والعبد» فإنّ‏
‎[[page 401]]‎‏الاستدلال علیٰ أنّ مفاد الهیئة غیر المادّة ـ لأنّ المشتقّات الاصطلاحیّة ذات‏‎ ‎‏وضعین نوعیّین، فلابدّ من کون المدلول مرکّباً، ولایکون مفاد الهیئة وحدها المادّة،‏‎ ‎‏ولا أمراً آخر مع المادّة ـ غیر وافٍ فی ذاته، وغیر کافٍ لتمام المطلوب.‏

فتحصّل :‏ أنّ المأخوذ فی الهیئة هی الذات المبهمة، فإن کانت هی الموضوع‏‎ ‎‏له بعنوانه، فیکون الموضوع له عامّاً ، وإن کانت الذات عنواناً مشیراً إلی‏‎ ‎‏الخارجیّات، یکون الموضوع له خاصّاً.‏

‏ولعمری، إنّ المسألة بناءً علیٰ ما شرحناها، تصیر بدیهیّة، ولا تحتاج إلی‏‎ ‎‏البراهین، ولا تنافیها البراهین التی نشیر إلیٰ بعضها إن شاء الله تعالیٰ. وتصیر نتیجة‏‎ ‎‏ما حصّلناه: أنّ مفاد الهیئة ومفاد کلمة «الزوج» الذات بما أنّها علّة ومحلّ لتلک‏‎ ‎‏المادّة، فإن کانت المادّة من الأفعال المتعدّیة، فتصیر الذات علّة، وإذا کانت من‏‎ ‎‏الأفعال اللاّزمة، تصیر الذات موضوعاً ومحلاًّ، وما هو الموضوع له هو الذات‏‎ ‎‏المبهمة بجامعیّة العلّة والمحلّ.‏

أو یقال :‏ بتعدّد الوضع فی الهیئة، کما اختاره فی الماضی والمضارع الوالد‏‎ ‎‏المحقّق ـ مدّ ظلّه ‏‎[3]‎‏؛ لعدم معقولیّة الجامع الصحیح العرفیّ، کما لایخفیٰ، فلیتأمّل.‏

إن قلت :‏ هل الموضوع له مرکّب أو بسیط؟ وما مرّ یرجع إلی البساطة؛ لأنّ‏‎ ‎‏القضیّة حینیّة، وقد مرّ بطلانها‏‎[4]‎‏.‏

قلت :‏ ماهو الموضوع له مرکّب من المعنی الاسمیّ ـ وهی الذات ـ والتقیّد‏‎ ‎‏الحرفیّ، مع خروج ذات القید عن الموضوع له.‏

إن قلت :‏ قد مرّ أنّ النسبة لا واقعیّة لها، ولا نفسیّة لوجودها فی الأعیان،‏‎ ‎‏والمعانی الحرفیّة معانٍ نسبیّة‏‎[5]‎‏.‏


‎[[page 402]]‎قلت :‏ ما منعناه هو الوجود الرابط، غیر الوجود النفسیّ والرابطیّ، وأمّا‏‎ ‎‏المعانی الحرفیّة والنسب، فکلّها إن کانت ترجع إلی الرابطیّ ـ کما هو الحقّ عندنا ـ‏‎ ‎‏فهو، وإلاّ فلا سبیل إلیها، ففیما نحن فیه لاننکر أنّ المشتقّ مرکّب من الذات والمعنی‏‎ ‎‏الحرفیّ، وهو الحاکی عن وجود البیاض، وأمّا نفس «البیاض» فی کلمة «أبیض»‏‎ ‎‏فهو مفاد المادّة، وهو مفهوم الحدث مثلاً، ولا شیء آخر وراء مفهوم الذات، والتقیّدِ‏‎ ‎‏الحاکی عن وجود العرض فی موضوعه.‏

إن قیل :‏ فلایبطل بعض الاحتمالات الاُخر؛ لإمکان اختیارهم ذلک، أی‏‎ ‎‏یکون مرامهم فی النسبة أنّها الوجود الرابطیّ، لا الرابط الذی لا أساس له.‏

قلنا :‏ نعم، ولکن بطلان تلک الاحتمالات ، لایحتاج إلیٰ إقامة برهان؛ فإنّ‏‎ ‎‏احتمال کون مفاد الهیئة هی النسبة فقط، واحتمالَ کونه المبدأ المنتسب، فی غایة‏‎ ‎‏الوهن، ولذلک لایذهب إلی الأوّل أحد‏‎[6]‎‏. وذهاب مثل صاحب «المقالات» إلی‏‎ ‎‏الثانی‏‎[7]‎‏، لایخرجه عن الوهن؛ بعد شهادة الوجدان علیٰ خلافه.‏

‏مع أنّه لو کان یصحّ ما أفاده، فیلزم تکرار النسبة فی الجملة التصدیقیّة؛ فإنّ‏‎ ‎‏قوله: «زید ضارب» مشتمل علی النسبة التصدیقیّة، فیصیر معناه «زید ثابت له‏‎ ‎‏الضرب المنتسب» أی الضرب الثابت له؛ فإنّ کلمة «ثابت له» مفاد النسبة‏‎ ‎‏التصدیقیّة. هذا مع أنّه یأبیٰ عن الحمل؛ ضرورة أنّ المبدأ الملحوظ قبال الذات‏‎ ‎‏لایحمل علیها، بخلاف الذات المقیّدة بأمر، فإنّها تحمل.‏

‏فهذا القول ـ وهوترکّب المشتقّ من الذات المبهمة محضاً، ومن المعنی الحرفیّ؛‏‎ ‎‏وهو تقیّده بموضوعیّته للمبدأ والحدث، أو علّیته له ـ ممّا لا محیص عنه، فلاتغفل.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 403]]‎

  • )) لاحظ ما تقدّم فی الصفحة 87 ـ 91 .
  • )) الشواهد الربوبیّة: 43، بدائع الأفکار، المحقّق الرشتی: 174 / السطر 6.
  • )) مناهج الوصول 1: 205 ـ 207.
  • )) تقدّم فی الصفحة 378 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 87 .
  • )) حاشیة فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1: 103.
  • )) مقالات الاُصول 1: 190، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 169 170.

انتهای پیام /*