فصل:فی النفقات
إنّما تجب النفقة بأحد أسباب ثلاثة:الزوجیة و القرابة و الملک.
(مسألة 1): إنّما تجب نفقة الزوجة علی الزوج بشرط أن تکون دائمة، فلا نفقة للمنقطعة،وأن تکون مطیعة له فیما یجب إطاعتها له،فلا نفقة للناشزة، ولا فرق بین المسلمة و الذمّیة.
(مسألة 2): لو نشزت ثمّ عادت إلی الطاعة لم تستحقّ النفقة حتّی تظهرها وعلم بها وانقضی زمان أمکن الوصول إلیها.
(مسألة 3): لو ارتدّت سقطت النفقة،و إن عادت فی العدّة عادت.
(مسألة 4): الظاهر أنّه لا نفقة للزوجة الصغیرة غیر القابلة للاستمتاع منها علی زوجها،خصوصاً إذا کان صغیراً غیر قابل للتمتّع و التلذّذ،وکذا للزوجة الکبیرة إذا کان زوجها صغیراً غیر قابل لأن یستمتع منها.نعم،لو کانت الزوجة مراهقة و الزوج مراهقاً أو کبیراً،أو کان الزوج مراهقاً و الزوجة کبیرة،
[[page 337]]لم یبعد استحقاقها لها مع تمکینها له من نفسها علی ما یمکنه من التلذّذ والاستمتاع منها.
(مسألة 5): لا تسقط نفقتها بعدم تمکینه من نفسها لعذر شرعی أو عقلی؛ من حیض أو إحرام أو اعتکاف واجب أو مرض أو غیر ذلک.وکذا لا تسقط إذا سافرت بإذن الزوج؛سواء کان فی واجب أو مندوب أو مباح،وکذا لو سافرت فی واجب مضیّق کالحجّ الواجب بغیر إذنه،بل ولو مع منعه ونهیه.بخلاف ما لو سافرت بغیر إذنه فی مندوب أو مباح،فإنّه تسقط نفقتها،بل الأمر کذلک لو خرجت من بیته بغیر إذنه ولو لغیر سفر،فضلاً عمّا کان له؛لتحقّق النشوز المسقط لها.
(مسألة 6): تثبت النفقة و السکنی لذات العدّة الرجعیة ما دامت فی العدّة کما تثبت للزوجة من غیر فرق بین کونها حائلاً أو حاملاً،ولو کانت ناشزة وطلّقت فی حال نشوزها لم تثبت لها کالزوجة الناشزة،و إن رجعت إلی التمکین وجبت النفقة علی الأقرب،و أمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها وسکناها؛سواء کانت عن طلاق أو فسخ،إلّاإذا کانت عن طلاق وکانت حاملاً،فإنّها تستحقّهما حتّی تضع حملها.ولا تلحق بها المنقطعة الحامل المو هوبة أو المنقضیة مدّتها، وکذا الحامل المتوفّی عنها زوجها،فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها،لا من ترکة زوجها ولا من نصیب ولدها علی الأقوی.
(مسألة 7): لو ادّعت المطلّقة بائناً أنّها حامل مستندة إلی وجود الأمارات التی یستدلّ بها علی الحمل عند النسوان،فتصدیقها بمجرّد دعواها محلّ إشکال.نعم،لا یبعد قبول قول الثقة الخبیرة من القوابل قبل ظهور الحمل؛
[[page 338]]من غیر احتیاج إلی شهادة أربع منهنّ أو اثنین من الرجال المحارم.فحینئذٍ انفق علیها یوماً فیوماً إلی أن یتبیّن الحال،فإن تبیّن الحمل وإلّا استعیدت منها ما صرف علیها.وفی جواز مطالبتها بکفیل قبل تبیّن الحال وجهان،بل قولان، أرجحهما الثانی إن قلنا بوجوب تصدیقها،وکذلک مع عدمه وإخبار الثقة من أهل الخبرة.
(مسألة 8): لا تقدیر للنفقة شرعاً،بل الضابط القیام بما تحتاج إلیه المرأة؛ من طعام وإدام،وکسوة وفراش وغطاء،وإسکان وإخدام،وآلات تحتاج إلیها لشربها وطبخها وتنظیفها وغیر ذلک.
فأمّا الطعام فکمّیته بمقدار ما یکفیها لشبعها،وفی جنسه یُرجع إلی ما هو المتعارف لأمثالها فی بلدها،والموالم لمزاجها وما تعوّدت به بحیث تتضرّر بترکه.
و أمّا الإدام فقدراً وجنساً کالطعام؛یراعی ما هو المتعارف لأمثالها فی بلدها، وما یوالم مزاجها وما هو معتاد لها؛حتّی لو کانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم-مثلاً-وجب،وکذا لو اعتادت بشیء خاصّ من الإدام بحیث تتضرّر بترکه.بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتیاده لأمثالها من غیر الطعام والإدام،کالشای و التنباک و القهوة ونحوها،وأولی بذلک المقدار اللازم من الفواکه الصیفیة التی تناولها کاللازم فی الأهویة الحارّة،بل وکذا ما تعارف من الفواکه المختلفة فی الفصول لمثلها.
وکذلک الحال فی الکسوة،فیلاحظ فی قدرها وجنسها عادة أمثالها،وبلد سکناها،والفصول التی تحتاج إلیها شتاءً وصیفاً؛ضرورة شدّة الاختلاف فی الکمّ و الکیف و الجنس بالنسبة إلی ذلک،بل لو کانت من ذوات التجمّل وجب لها
[[page 339]]زیادة علی ثیاب البدن ثیاب علی حسب أمثالها.
وهکذا الفراش و الغطاء،فإنّ لها ما یفرشها علی الأرض وما تحتاج إلیها للنوم؛من لحاف ومخدّة وما تنام علیها،ویرجع فی قدرها وجنسها ووصفها إلی ما ذُکر فی غیرها.وتستحقّ فی الإسکان أن یسکنها داراً تلیق بها بحسب عادة أمثالها،وکانت لها من المرافق ما تحتاج إلیها،ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسکن عن مشارکة غیر الزوج-ضرّة أو غیرها-من دار أو حجرة منفردة المرافق؛إمّا بعاریة أو إجارة أو ملک.ولو کانت من أهل البادیة،کفاها کوخ أو بیت شعر منفرد یناسب حالها.
و أمّا الإخدام فإنّما یجب إن کانت ذات حشمة وشأن ومن ذوی الإخدام، وإلّا خدمت نفسها.و إذا وجبت الخدمة،فإن کانت من ذوات الحشمة؛بحیث یتعارف من مثلها أن یکون لها خادم مخصوص،لا بدّ من اختصاصها به،ولو بلغت حشمتها بحیث یتعارف من مثلها تعدّد الخادم فلا یبعد وجوبه.
والأولی إیکال الأمر إلی العرف و العادة فی جمیع المذکورات،وکذا فی الآلات و الأدوات المحتاج إلیها،فهی أیضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها التی تسکن فیها.
(مسألة 9): الظاهر أنّه من الإنفاق الذی تستحقّه الزوجة اجرة الحمّام عند الحاجة؛سواء کان للاغتسال أو للتنظیف إذا کان بلدها ممّا لم یتعارف فیه الغسل والاغتسال فی البیت،أو یتعذّر أو یتعسّر ذلک لها لبرد أو غیره.ومنه أیضاً الفحم والحطب ونحوهما فی زمان الاحتیاج إلیها،وکذا الأدویة المتعارفة التی یکثر الاحتیاج إلیها؛بسبب الأمراض و الآلام التی قلّما یخلو الشخص منها فی الشهور و الأعوام.نعم،الظاهر أنّه لیس منه الدواء وما یصرف فی المعالجات
[[page 340]]الصعبة التی یکون الاحتیاج إلیها من باب الاتّفاق،خصوصاً إذا احتاج إلی بذل مال خطیر.وهل یکون منه اجرة الفصد و الحجامة عند الاحتیاج إلیهما؟فیه تأمّل وإشکال.
(مسألة 10): تملک الزوجة علی الزوج نفقة کلّ یوم من الطعام و الإدام وغیرهما ممّا یصرف ولا یبقی عینه فی صبیحته ملکاً متزلزلاً مراعیً بحصول تمام التمکین منها،وإلّا فبمقداره وتستردّ البقیّة،فلها أن تطالبه بها عنده،فلو منعها مع التمکین وانقضی الیوم استقرّت فی ذمّته وصارت دیناً علیه.
وکذا یشترط ذلک فی الاستقرار مع انقضاء أیّام،فیستقرّ بمقدار التمکین علی ذمّته نفقة تلک المدّة؛سواء طالبته بها أو سکتت عنها،وسواء قدّرها الحاکم وحکم بها أم لا،وسواء کان موسراً أو معسراً،ومع الإعسار ینظر إلی الیسار، ولیس لها مطالبة نفقة الأیّام الآتیة.
(مسألة 11): لو دفعت إلیها نفقة أیّام-کاُسبوع أو شهر مثلاً-وانقضت المدّة ولم تصرفها علی نفسها-إمّا بأن أنفقت من غیرها،أو أنفق إلیها شخص-کانت ملکاً لها،ولیس للزوج استردادها،وکذا لو استفضلت منها شیئاً بالتقتیر علی نفسها کانت الزیادة ملکاً لها،فلیس له استردادها.نعم،لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة-بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً-یوزّع المدفوع علی الأیّام الماضیة و الآتیة،ویستردّ منها بالنسبة إلی ما بقی من المدّة.
بل الظاهر ذلک أیضاً فیما إذا دفع لها نفقة یوم وعرض أحد تلک العوارض فی أثنائه،فیستردّ الباقی من نفقة الیوم.
(مسألة 12): کیفیة الإنفاق بالطعام و الإدام:إمّا بمؤاکلتها مع الزوج فی بیته علی العادة کسائر عیاله،و إمّا بتسلیم النفقة لها،ولیس له إلزامها بالنحو
[[page 341]]الأوّل،فلها أن تمتنع من المؤاکلة معه،وتطالبه بکون نفقتها بیدها تفعل بها ما تشاء،إلّاأنّه إذا أکلت وشربت معه علی العادة سقط ما علیه،ولیس لها أن تطالبه بعده.
(مسألة 13): ما یدفع إلیها للطعام و الإدام:إمّا عین المأکول،کالخبز والتمر و الطبیخ و اللحم المطبوخ ممّا لا یحتاج فی إعداده للأکل إلی علاج ومزاولة ومؤونة وکلفة،و إمّا عین تحتاج إلی ذلک کالحبّ و الأرُز و الدقیق ونحوها؛فإن لم یکن النحوان خلاف المتعارف فالزوج بالخیار بینهما،ولیس للزوجة الامتناع،ولو اختار النحو الثانی،واحتاج إعداد المدفوع للأکل إلی مؤونة کالحطب وغیره،کان علیه،و إن کان أحدهما خلاف المتعارف یتّبع ما هو المتعارف.
(مسألة 14): لو تراضیا علی بذل الثمن وقیمة الطعام و الإدام وتسلّمت،ملکته وسقط ما هو الواجب علیه،ولیس لکلّ منهما إلزام الآخر به.
(مسألة 15): إنّما تستحقّ فی الکسوة أن یکسوها بما هو ملکه أو بما استأجره أو استعاره،ولا تستحقّ علیه أن یدفع إلیها بعنوان التملیک.ولو دفع إلیها کسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إلیها فکستها،فخلقت قبل تلک المدّة،أو سرقت،وجب علیه دفع کسوة اخری إلیها،ولو انقضت المدّة و الکسوة باقیة علی نحو یلیق بحالها لیس لها مطالبة کسوة اخری.ولو خرجت فی أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تستردّ إذا کانت باقیة.وکذا الحال فی الفراش و الغطاء و اللحاف و الآلات التی دفعها إلیها من جهة الإنفاق ممّا تنتفع بها مع بقاء عینها؛فإنّها کلّها باقیة علی ملک الزوج تنتفع بها الزوجة،فله
[[page 342]]استردادها إذا زال استحقاقها إلّامع التملیک لها.
(مسألة 16): لو اختلف الزوجان فی الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما علی الاستحقاق،فإن کان الزوج غائباً أو کانت الزوجة منعزلة عنه،فالقول قولها بیمینها،وعلیه البیّنة،و إن کانت فی بیته داخلة فی عیالاته،فالظاهر أنّ القول قول الزوج بیمینه،وعلیها البیّنة.
(مسألة 17): لو کانت الزوجة حاملاً ووضعت و قد طلّقت رجعیاً،واختلفا فی زمان وقوع الطلاق؛فادّعی الزوج أنّه قبل الوضع و قد انقضت عدّتها به فلا نفقة لها،وادّعت أنّه بعده ولم تکن بیّنة،فالقول قولها مع الیمین،فإن حلفت ثبت لها استحقاق النفقة،لکن یحکم علیه بالبینونة وعدم جواز الرجوع أخذاً بإقراره.
(مسألة 18): لو طالبته بالإنفاق،وادّعی الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدّقه، وادّعت علیه الیسار،فالقول قوله بیمینه إن لم یکن لها بیّنة،إلّاإذا کان مسبوقاً بالیسار،وادّعی تلف أمواله وصیرورته معسراً وأنکرته،فإنّ القول قولها بیمین، وعلیه البیّنة.
(مسألة 19): لا یشترط فی استحقاق الزوجة النفقة فقرها واحتیاجها،فلها علیه الإنفاق و إن کانت من أغنی الناس.
(مسألة 20): إن لم یکن له مال یفی بنفقة نفسه وزوجته وأقاربه الواجبی النفقة،فهو مقدّم علی زوجته،و هی علی أقاربه،فما فضل من قوته صرفه علیها،ولا یدفع إلی الأقارب إلّاما یفضل عن نفقتها.
[[page 343]]