البحث الأوّل : فی قابلیّته للتطهیر
فقد یشکل ذلک؛ لأنّ الـظاهر من الـنبویّ والـعلویّ الـمتقدّم: «الماء یطهِّر ولا یطهَّر» أنّـه إذا تنجّس لا یقبل الـتطهیر من قبل نفسـه؛ لأنّـه من قِبَل غیره ممّا لا یتوهّم، حتّیٰ یحتاج إلـی الـدفع، فیعلم منـه أنّـه غیر قابل لـذلک.
وأمّا تطهیره باستهلاکـه، فهو تَسٰامح واضح؛ فإنّ الـمقصود هو الـتطهیر الـحقیقیّ الـذی لا یفرض إلاّ مع بقاء الـموضوع، وإلاّ فجمیع الأنجاس تقبلـه.
وهذا ربّما یکون الـظاهر من الـقائلین بالامتزاج، الـبالـغ مزجـه إلـیٰ
[[page 149]]حدّ الاستهلاک، فإنّـه لـو فُرض الـکثیر من الـبول کذا، لـصار طاهراً، ولو عادت الأجزاء الـمستهلکـة، فصدق علیها «الـبول» - کما لـو عادت الأجزاء من الـمتغیّر وصدق علیها «الـمتغیّر» - فإنّهما فی الـفرضین نجس بالـبداهـة.
فهذا الاحتمال لـیس بعیداً جدّاً، خصوصاً بعد ما إذا راجعنا الـعرف والـعادة فی طهارة الأشیاء الـمتنجّسـة؛ من أنّ الـماء بملاقاتـه لـها، وتحمّلـه قذارتها، وفراقـه منها، یورث رجوعها إلـی الـطهارة الـخلقیّـة الأوّلیـة، وهذا فی مطلق الـمائعات ممّا لا یتصوّر.
وقد مرّ منّا فی مباحث الـمیاه الـمضافـة، ما یتعلّق بالـمسألـة، وحول الـنبویّ هناک، وفی ابتداء هذه الـمسألـة أیضاً من الاحتمالات الـکثیرة فیـه، ولکنّـه غیر خفیّ أنّ أظهرها، ما یتعلّق بمرامنا هنا.
فبالجملة: بناءً علیٰ تمامیّـة هذه الـشبهـة، یلزم الـقول بالاستهلاک فی تطهیر الـمیاه الـنجسـة، ولا یکفی الاتصال، ولا الامتزاج.
وهذا لـیس خرقاً لـلإجماع بعد ما اُشیر إلـیـه، ویقتضیـه إطلاق کلام الـقائلین باعتبار الامتزاج، وإذا اقتضی الـدأب والـدیدن فی تطهیر الـمتنجّسات، ذهـابَ الـنجاسـة بالـماء مـع بقـاء الـذات، فالـتمسّک بعمومـات مطهّریـة الـمیاه حتّـیٰ لنفسـها، فی غیـر محلّـه؛ لأنّ الـعرف لا یجـد طریقاً إلـیٰ تطهیر الـماء الـنجس - کالـبول - إلاّ بالإلقاء فی الـکثیر الـموجب لاستهلاکه.
[[page 150]]