حکم صورة ما لو کان أحد الماءین کثیراً
إذا عـرفت ذلک، فهل یتعیّن علیـه الـتوضّی فی صورة کون أحد الـماءین کثیراً؛ لـما یظهر من الـروایـة من اختصاصـه بالـقلیل غیر الـقابل لاستعمالـه مرّتین، خصوصاً إذا کان مشتبهاً بنجاسـة بولیّـة، وقلنا: بتعدّد الـغسل فی ملاقی غسالـتـه؟
أو یتعیّن علیـه الـتیمّم؛ لأجل ظاهر الـروایـة؟
أو هو بالـخیار بین الـطهارتین: الـمائیّـة ، والـترابیّـة.
فقد یقال: بتعیّن الـترابیّـة، وعلیـه الأکثر، وهو مقتضیٰ إطلاق فتاوی
[[page 197]]الأصحاب، وعن بعض الـفضلاء تعلیل ذلک: بلزوم الـجمع بین الـمتناقضین فی صورة الـرخصـة؛ لأنّ موضوع الـترابیّـة هو «الـعجز عن الـمائیّـة» وموضوع الـمائیّـة هی «الـقدرة علی استعمال الـماء» وهما غیر قابلین للجمع.
وأورد علیه: بأنّ الأمر کذلک، إلاّ أنّ الالتزام بالـتخصیص لأجل الـدلیل، غیر ممنوع عقلاً، ومتعارف عرفاً، کما فی مواقف رخصـة الإفطار فی شهر رمضان، مع أنّ الـمستثنیٰ هو الـمریض ، والـمستثنیٰ منـه هو الـصحیح، وهما غیر قابلین للجمع.
والـذی یخطر بالـبال : أنّ مبنیٰ هذه الـمسألـة، هو أنّ الأمر بالإهراق کان لأیّـة جهـة؟
فإن کان فیـه جهـة لازمـة مراعاتها فی الانتقال من الـمائیّـة إلـی الـترابیّـة، فهو یشهد علیٰ ممنوعیّـة الـترابیّـة بدون الإهراق.
وإن کان الأمر لـمجرّد عدم الابتلاء بالـنجس، أو لـکونـه کالـدرهم الـمغشوش الـلاّزم إعدامـه، فلایستفاد منـه تعیّن الـترابیّـة.
والإنصاف: أنّ الأمر بالإهراق؛ لأجل حدوث موضوع الانتقال وهو «فقدان الـماء الـموجود عنده» فإذا لاحظ الـشرع أنّ الـترابیّـة ـ حسب الآیـة الـشریفـة ـ موقوفـة علیٰ فقد الـماء، والـماء الـموجود بین یدیـه وإن کان بحسب الـواقع کافیاً، ولکنّـه لـجهلـه یشکل علیـه تحصیلها؛ لابتلائـه بنجاسـة الـبدن، فراعیٰ عند ذلک أهمّیـة طهارة الـبدن مع مراعاة تحصیل
[[page 198]]موضوع الـمسألـة، فاُمر بالإهراق؛ تحفّظاً علی الـواقع الـلاّزم مراعاتـه ـ ولأجل مثلـه اختار الـمحقّق فی «الـمعتبر» جواز إراقـة الـماء، ورخّص فی الانتقال إلـیٰ موضوع الـتیمّم اختیاراً ـ فعلیٰ هذا لایجوز الـبدار إلـی الـترابیّـة مع وجود الـماء الـمشتبـه؛ لأنّ موضوع أدلّـة الـتیمّم لـیس «الـعجز» بل لـه مسوّغات مختلفـة، ومنها: عدم وجدانـه الـماء، ولکنّـه هنا واجد للماء بالـضرورة، فلیتأمّل جیّداً.
فتحصّل إلیٰ هنا: أنّ مع فرض شمول الـروایـة لـما إذا کان أحدهما کثیراً أو کلاهما، لایجوز الـوضوء إلاّ بعد الإهراق.
[[page 199]]