البحث الثانی
تکلیف الکفّار والفسّاق بالفروع
إنّ الـمراد من الـفاسقین فی قولـه تعالـیٰ: «إِلاَّ الْفَاسِقِینَ» إمّا الـکافرون فقط؛ لمناسبـة الآیات معـه، ولذهاب جمع إلـیٰ اصطلاح جدید فی الـقرآن، کما هو الأظهر، وقد مرّ، أو یکون أعمّ.
وعلیٰ کلّ تقدیر یکون الآیـة الـمتأخّرة من أوصاف الـفاسقین، وأنّهم لایجوز لهم قطع ما أمر اللّٰه بـه أن یوصل، ولایجوز لهم نقض عهد اللّٰه والإفساد فی الأرض، فیکون الـکفّار مکلّفین بالـفروع کالاُصول، خلافاً لجماعـة من أصحابنا الأخباریـین وطائفـة من الاُصولیـین.
ولایتوقّف الاستدلال علیٰ کون الـنقض والـقطع حرامین؛ حتّیٰ یقال بعدم حرمتهما الـشرعیـة کما مضیٰ، بل مقتضیٰ قولـه تعالـیٰ: «مَا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ
[[page 68]]أَنْ یُوصَلَ» کونهم مورد الأمر.
وقد قال الـشیخ رحمه الله فی «الـتبیان»: وقال قتادة: قولـه: «وَ یَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ»قطیعـة الـرحم والـقرابـة، وقیل: معناه الأمر بأن یوصل کلّ من أمر اللّٰه بصلتـه من أولیائـه، والـقطعُ: الـبراءة من أعدائـه. وهذا أقویٰ؛ لأنّـه أعمّ من الأوّل. انتهیٰ.
وبالجملة: تحصّل أنّ الآیـة الـثالـثـة تشهد علیٰ أنّ الـفسّاق مورد الـتکلیف بالـنسبـة إلـیٰ فعل من الأفعال؛ إمّا الـوصل، أو الـقطع، وعلی کلّ تقدیر یثبت تکلیفهم بالـفروع فی الـجملـة فی قبال الـنفی الـمطلق؛ ضرورة أنّ الـفروع هی الـتکالـیف الـفعلیـة، والاُصول هی الـتکالـیف الـقلبیـة.
ومن هنا یظهر وجـه الـمناقشـة فی الـقول: بأنّ الـمراد من عهد اللّٰه هو الـتوحید والـرسالـة، والـمراد من الـقطع قطع ما ثبت لـه بالأدلّـة من الـتوحید والـنبوّة، والـمراد من الأمر بالـوصل هو الأمر بالاتّصال بالـتوحید، وهو أمر قلبیّ، لاعملیّ خارجیّ. انتهیٰ.
ضرورة أنّ اختصاص الـمراد بلاوجـه، مع أنّ الأمر والـوصل والـقطع ظاهرة فی الاُمور الـخارجیـة. اللهمّ إلاّ أن یقال: ظهور الـسیاق أقویٰ من هذه الاُمور، والـضرورة حاکمـة علیٰ أنّ الآیات راجعـة إلـیٰ الـمسائل الاعتقادیـة، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
[[page 69]]