المسألة السادسة
حول ألفاظ الآیة التاسعة والعشرین
قد مضیٰ تفسیر «الـخلق» و«الأرض».
وأمّا «الـجمیع» فهو واضح الـمعنیٰ، ویستعمل فی إفادة الـعامّ الـمجموعی علیٰ أن یکون ذا أجزاء طبیعیـة أو اعتباریـة.
وهکذا قد مضیٰ معنیٰ الاستواء والـتسویـة فی ذیل قولـه تعالـیٰ «سَوَاءٌ عَلَیْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ».
وهنا نکتـة: وهی أنّ تعدیـة الاستواء بـ«إلـیٰ» الـتی هی للغایـة، تفید ـ مضافاً إلـیٰ أنّـه معناه الإرادة والـقصد والـتوجّـه ـ أنّ هذا الأمر والـقصد غایـة، ومتأخّر عن خلق الأرض فی الآیـة الـشریفـة، أو فی غیر مقام، وأیضاً قد مضیٰ معنیٰ الـسماء بحسب اللغـة، ومعنیٰ الـسبع أیضاً واضح.
بقی معنیٰ «کلّ» وقد أکثروا لـه الـمعانی، وفصّلنا الـبحث حولـه فی الاُصول، والـذی هو الـتحقیق أنّـه لتکثیر الـدخول دون الاستیعاب، وأمـّا استفادة الـفردیـة أو الـجزئیـة فهو من الـقرائن الـخارجیـة، کما أنّ
[[page 133]]الاستیعاب یُستفاد من مقدّمات الـحکمـة. والـتفصیل فی محلّـه.
ویشهد لذلک جواز قولـه تعالـیٰ: «تُدَمِّرُ کُلَّ شَیْءٍ» فإنّـه لیس الـمقام مقام بیان الاستیعاب، ولاتلزم الـمجازیـة کما لایخفیٰ، ومضیٰ شطر من الـبحث حولـه عند قولـه تعالـیٰ: «کُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِیهِ» وذیل قولـه تعالـیٰ: «کُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ»، وتبیّن هناک معنیٰ الـشیء أیضاً.
بقی الـکلام فی هیئـة «علیم» ومادّتـه. وأمّا الـمادّة فتطلب من محالّـه بحسب الـحقیقـة، وأمّا بحسب الـمعنیٰ اللغوی فهو واضح، وسیمرّ علیک توضحیـه ـ إن شاء اللّٰه تعالـیٰ ـ فی الـمحالّ الـمناسبـة.
وأمّا الـهیئـة: فعن سیبویـه: هی للمبالـغـة، ویکذّبـه قولـه تعالـیٰ: «وَفَوْقَ کُلِّ ذِیْ عِلْمٍ عَلیمٌ»؛ لأنّها لیست بصدد الـمبالـغـة، والـتکثیر غیر الـمبالـغـة؛ لأنّ أعلمیـة فرد عن فرد لاتستلزم الـمبالـغـة بالـضرورة، وذلک لأنّ الـمبالـغـة من الـمحسّنات الـشعریـة، وهی إلـیٰ الـکذب موزونـة، فلا مبالـغـة فی صورة الـصدق وإبانـة الـواقع. نعم بناء علی الـقول بأنّ الـمبالـغـة إفادة الـکثرة الـواقعیـة، و هیئات الـمبالـغـة فی لسان الـعرب وُضعت لإفادة صدور الـمادّة من الـفاعل کثیراً، أو قیامها بـه کثیراً، فلا منع من کون فعیل للمبالـغـة، و عندئذٍ لابدّ من الالتزام بأنّ هیئـة فاعل وضعت لإفادة أصل الـتلبّس دون الـتلبّس الـخاصّ، وإلاّ یلزم مجازیـة إطلاق «عالـم» علیٰ من کثر علمـه، فلا تخلط.
[[page 134]]