سورة البقرة

الوجه الثامن : حول المناقضة المتوهّمة فی الآیات

الآیتان الثامنة و العشرون والتاسعة و العشرون / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 161439 | تاریخ : 20/09/1385

الوجه الثامن

‏ ‏

حول المناقضة المتوهّمة فی الآیات

‏ ‏

‏من الاُمور الـنافیـة لنصاب الـبلاغـة وبداعـة الاُسلوب لحنُ کون‏‎ ‎‏الآیات موهمـة للمناقضـة، فإنّـه یضرّ بما هو الـمأمول والـمطلوب، مثلاً:‏

‏بین هذه الآیـة الـظاهرة فی تقدّم خلق الأرض علیٰ الـسماء، وتقدّم‏‎ ‎‏خلق ما فی الأرض علیٰ الـسماء، وبین الآیات الـواردة فی سورة الـنازعات‏‎ ‎‏توهّم الـنِّقاض؛ لما قال اللّٰه تعالـیٰ هناک: ‏‏«‏أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا *‎ ‎رَفَعَ سَمْکَهَا فَسَوَّاهَا * وَ أَغْطَشَ لَیْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَ الأَرْضَ بَعْدَ ذَلِکَ
‎[[page 148]]‎دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَ مَرْعَاهَا * وَ الْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَکُمْ وَ‎ ‎لِأَنْعَامِکُمْ‏»‏‎[1]‎‏.‏

‏وأمّا توهّم: أنّ الـبعدیـة فی الـذکر لاتُنافی الـقبلیـة فی الـخلق، فهو ـ‏‎ ‎‏مضافاً إلـیٰ أنّـه خلاف الـبلاغـة ـ أنّـه صرّح بأنّ ‏‏«‏اَلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِکَ دَحَاهَا‏»‏‏،‏‎ ‎‏والـمشار إلـیـه ظاهراً هو الـمرتبط بخلق الـسماء وخصوصیّاتها، أو نفس‏‎ ‎‏الـسماء؛ لجواز رجوع لفظـة «ذلک» إلـیـه، کما لایخفیٰ.‏

‏وأمّا تخیّل أنّ الأرض متقدّمـة فی أصل الـخلقـة ومتأخّرة عن الـسماء‏‎ ‎‏فی الـدَّحْو والإنباط، أو متأخّرة فی الـتحرّک الـکُروی، فکلّـه غیر جائز، فإنّ‏‎ ‎‏الـسابق بمقتضیٰ هذه الآیـة هو ما فی الأرض، وهذا هو الـملازم لتقدّم‏‎ ‎‏الأرض، والـمتأخّر بمقتضیٰ تلک الآیات أیضاً هو دَحْو الأرض الـمتقدّم علیٰ‏‎ ‎‏خروج مائها ومرعاها، فیکون الـمرعیٰ والـسماء متأخّرین، ویستلزم طبعاً‏‎ ‎‏تأخّر الـدحو والأرض.‏

‏والجواب عن أصل التنافی المباین للبلاغة وهو إیهام الـتنافی، فذلک فیما‏‎ ‎‏إذا کان الـکلام واحداً لامتعدّداً بعیداً بعضـه مکّیّ وبعضـه مدنیّ.‏

وأمّا الـجواب عن الـمناقضـة الـمتوهَّمـة‏ فهو أنّ المتقدّم هو خلق‏‎ ‎‏الـقویٰ وقوّة کلّ شیء ومبدأ کلّ ما فی الأرض سابق فی الـخلقـة، وأمّا‏‎ ‎‏الـمتأخّر فهو تنظیم حرکـة الأرض طبعاً؛ للحاجـة إلـیٰ خلق الـسماء فی‏‎ ‎‏الـنظام الـعالـمی، وأیضاً یکون الـمتأخّر خروج الـماء وخروج الـمرعیٰ‏‎ ‎‏والـشرائط اللازمـة لحرکـة تلک الـقُویٰ والـنُطَف إلـیٰ الـفعلیّـة‏
‎[[page 149]]‎‏والـشخصیـة الـکمالـیـة والـوجود الـکامل، فمسألـة تعبیـة الأقوات فی‏‎ ‎‏أربعـة أیّام ممّا لایکاد یخفیٰ، والـقُویٰ والأقوات بمبادئها متقدّمـة علیٰ‏‎ ‎‏الاستواء إلـیٰ الـسماء، کما هو الـمحکّی عن معتقدات الـیهود.‏

وأمّا دعویٰ:‏ أنّ الآیات الـمکّیـه هی الآیات الـواردة لبیان الـواقعیّات،‏‎ ‎‏والآیات الـمدنیـة لوحظت فیها جوانب سیاسات الـملّـة وترغیب الـیهود‏‎ ‎‏بالإسلام، وأنّهم یتوهّمون أنّ الـقرآن یصدّقهم فی مقالـتهم ومعتقدهم، فلا‏‎ ‎‏دلالـة فیها علیٰ شیء خلاف ما دلّ علیـه الآیات الـسابقـة، فهذا فی حدّ نفسـه‏‎ ‎‏جائز إلاّ أنّـه بعید فی الـنظر عن ساحـة الـکتاب الإلهی. واللّٰه الـعالـم.‏

‏وأمّا قول الـقُرطبی تبعاً لقتادة: إنّ دخان الـسماء کان مقدّماً علیٰ خلق‏‎ ‎‏الأرض ‏‏«‏ثُمَّ اسْتَوَیٰ إِلَی السَّمَاءِ وَ هِیَ دُخَانٌ‏»‏‎[2]‎‏ فسوّاها، ثمّ دحا الأرض بعد‏‎ ‎‏ذلک‏‎[3]‎‏، فهو أفحش فساداً لصراحـة الـکتاب فی أنّـه تعالـیٰ: ‏‏«‏رَفَعَ سَمْکَهَا‎ ‎فَسَوَّاهَا‏»‏‏ ثمّ قال: ‏‏«‏وَ الأَرْضَ بَعْدَ ذَلِکَ دَحَاهَا‏»‏‏.‏

‏وسیمرّ علیک ـ إن شاء اللّٰه ـ مسألـة خلق الـسماوات والأرض فی‏‎ ‎‏الـبحوث الآتیـة علیٰ وجـه أبسط.‏

‏ومن الـغریب ما فی تفسیر بعض الـمعاصرین من إلـغاء مفاد کلمـة‏‎ ‎‏«قبل» و«بعد»، وکان علیـه أن یُلغی مفاد سائر الـجمل؛ لأنّـه تعالـیٰ منزّه عن‏‎ ‎‏الـحرکـة والـسکون وعن الـمادّة والـمدّة والـتصرّم، کما هو منزّه عن‏‎ ‎‏الـقَبْلیـة والـبَعْدیـة؛ غافلاً عن أنّـه تعالـیٰ یصرّح ـ فی موضع أو أکثر فی‏‎ ‎‏قصص الأنبیاء ـ بتقدّم بعضهم علیٰ بعض فی الـزمان؛ وإنْ تأخّر فی الـکلام،‏
‎[[page 150]]‎‏قال ـ عزّ من قائل ـ : ‏‏«‏إِلَی نُوحٍ وَ النَّبِیّـِینَ مِنْ بَعْدِهِ‏»‏‎[4]‎‏، ‏‏«‏‏إِذْ جَعَلَکُمْ خُلَفَاءَ مِنْ‏‎ ‎بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ‏»‏‎[5]‎‏، وقال: ‏‏«‏وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ‏»‏‎[6]‎‏، والـظاهر أنّـه لدفع توهّم:‏‎ ‎‏أنّ ذکره بعد ذکر الـمتأخّرین عنـه زماناً لایکون دلیلاً علیـه، فعلیـه کیف یُلغیٰ‏‎ ‎‏ذلک فی حقّـه تعالـیٰ فی الاستعمالات الـلُّغویّـة الـکلامیـة، الـتی نزلت‏‎ ‎‏لهدایـة الـبشر علیٰ مقدار طاقتهم وأفهامهم؟! فلا تغترّ بما فی صحف باطلـة.‏

‎ ‎

‎[[page 151]]‎

  • )) النازعات (79) : 27 ـ 33.
  • )) فصّلت (41) : 11 .
  • )) راجع الجامع لأحکام القرآن 1 : 256.
  • )) النساء (4) : 163.
  • )) الأعراف (7) : 69.
  • )) الذاریات (51) : 46، النجم (53) : 51.

انتهای پیام /*