سورة البقرة

الوجه الثامن : حول استشارته تعالیٰ للملائکة

الآیة الثلاثون / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 161491 | تاریخ : 28/07/1385

الوجه الثامن

‏ ‏

حول استشارته تعالیٰ للملائکة

‏ ‏

ربّما یخطر بالـبال‏ أنّ هنا ما یوهم خلاف الـبلاغـة؛ لظهور الآیـة فی‏‎ ‎‏أنّـه تعالـیٰ استشار تلک الـزمرة من الـملائکـة، وأعلمهم بذلک حتّیٰ یکونوا‏‎ ‎‏مطّلعین علیٰ الأمر، ویقولوا ما قالـوه ویبرزوا ما برزعنهم.‏

أو یخطر بالـبال:‏ أنّ هذا الـقول والإخبار غیر مفید بعد ما لم یکن فیـه‏‎ ‎‏الـخیر للقائل ولا للمقول لـه ومجرّد اطّلاعهم علیٰ ذلک الـخلیفـة وإبراز‏‎ ‎‏الـتبرّم بخلقـه لایکفی لجواز إخبارهم بذلک، بل سیظهر أنّ فیـه الـشرّ لبروز‏
‎[[page 228]]‎‏سوء الأدب عنهم؛ بالاعتراض علیٰ هذا الـجعل من ناحیـة فساد الـمجعول،‏‎ ‎‏وبالـمناقشـة فی هذا الاختیار؛ بأنّه من سوء الـخیار والاصطفاء، وبإبراز‏‎ ‎‏لَغْویّتـه؛ وإظهار أنّـه لا أثر لـه ولا ثمرة علیـه إلاّ الـتخلف والإفساد وسفک‏‎ ‎‏الـدماء، فتلک الـمذاکرة خلاف الـموازین، فکیف یمکن تصدیقها؛ کی یکون‏‎ ‎‏فی الـکتاب الإلهی ما لا یمکن الإذعان حسب الـظاهر.‏

أقول: ‏هذه الـمشکلـة والـمعضلـة، توجب انتقال الذهن إلـیٰ أنّ‏‎ ‎‏الـمذاکرة ما کانت قولیـة، ولا مثل سائر الـمذاکرات الـمنعقدة بین الـوحدات‏‎ ‎‏الـشخصیـة، فتکون علیٰ هذا مذاکرة تکوینیـة، وإلـهامات غیبیـة، وخطورات‏‎ ‎‏نورانیـة من ناحیـة الـربّ، وحیث إنّ الملائکة مختلفة الأصناف، وربّما تکون‏‎ ‎‏هی الاصطلاح الخاصّ لجمیع الـقویٰ الـموجودة فی الـعالـم، الـسرّیـة‏‎ ‎‏الـمختفیـة عن الأسماع والأبصار الـظاهریـة، کما یأتی فی محلّـه تحقیقـه‏‎ ‎‏وتفصیلـه، فلا بأس بأن تکون لها جنبـة ظلمانیـة ونورانیـة، ظلمانیـة أرضیـة‏‎ ‎‏سُفلیـة، ذات خطورات خاصّـة باطلـة شیطانیـة، ونورانیـة سماویـة ذات‏‎ ‎‏جنبـة إلـهیـة، تُحصّل لهم قولـه تعالـیٰ وکلمتـه الـنورانیـة وحیاً من وراء‏‎ ‎‏الـحجرات والـحجابات، فیکون بمنزلـة قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ‏»‏‎ ‎‏وقولـه تعالـی: ‏‏«‏قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ‏»‏‏.‏

‏ومن الـمحرّر فی محلّـه: أنّ الـموجودات الـمتقدّرة بالـمقادیر‏‎ ‎‏الـمختلفـة متکوّنـة عن الـتراب والـنار؛ بمعنیٰ غلبـة مادّة الـتراب والـنار‏‎ ‎‏علیٰ سائر الـموادّ أحیاناً، ویجوز أن تکون متکوّنـة عن الـمیاه والـهواء؛‏‎ ‎‏بمعنیٰ غلبـة هذه الـمادّة، وربّما تکون من الـملائکـة ما خلقت من الـهواء،‏‎ ‎‏ولکونها لطیفـة یکون الـولید منها قریباً من الـملائکـة الـمجرّدة عن الـموادّ،‏
‎[[page 229]]‎‏مع أنّها متقدّرة بالـمقادیر الـمختلفـة سعـة وضیقاً.‏

وماهو الأقرب من اُفُق الـتحقیق:‏ أنّ تلک الـملائکـة هی ملائکـة مادّیـة‏‎ ‎‏هوائیة ذات جنبتین إلـهیـة وظلمانیـة، إلاّ أنّ لفعلیـة تلک الـمادّة، تکون‏‎ ‎‏أشغالُهم الـتقدیسَ والـتسبیحَ الـتکوینیـین؛ أی هم جنود الله فی تنظیم الاُمور‏‎ ‎‏فی هذه الأرض وغیرها، فإنّ من الـملائکـة ـ حسب الأظهر ـ هی الـقویٰ‏‎ ‎‏الـمرموزة الـمصاحبـة، کما ورد فی بعض الأخبار منّا ما یؤمی إلـیٰ هذه‏‎ ‎‏الـجدیرة اللائقـة بالـتصدیق، وتسبیحهم وتنزیههم الـتکوینی هو الـمشی علیٰ‏‎ ‎‏الـصراط الـمرسوم لهم فی الـعالَم بإیصال الـوساءط إلـی الـغایات.‏

‏فإلـیٰ هنا تبیّن: کیفیـة قولهم وکیفیـة سؤالـهم، و وجـه حلّ الـمعضلـة،‏‎ ‎‏وحقیقـة الـملائکـة فی الآیـة، وکیفیـة تسبیحهم وحقیقـة شغلهم، والـمقصود‏‎ ‎‏منهم بحمد الله تعالـیٰ.‏

‎ ‎

‎[[page 230]]‎

انتهای پیام /*