سورة البقرة

المسألة الأولیٰ : کیفیّة خلق آدم

الآیة الثلاثون / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 161501 | تاریخ : 18/07/1385

المسألة الأولیٰ

‏ ‏

کیفیّة خلق آدم

‏ ‏

‏إنّ من الـمحرّر فی محلّـه: أنّ جمیع الـموجودات الـمرکبـة الـطبیعیـة،‏‎ ‎‏مقرونـة بالـمادّة والـمدّة، وحاصلـة من الـحرکـة ومن الـمبادئ الـسابقـة‏‎ ‎‏والـعلل الإعدادیـة الـتی تنتهی إلـیها، وتوجب صلاح مادّة الشیء لفیضان‏‎ ‎‏الـصورة الـکمالـیـة فی قبال الـموجودات الإبداعیـة والاختراعیـة، فعلیٰ هذا‏‎ ‎‏یشکل الأمر لأجل أنّ هذا الـمجعول فی الأرض ـ الـمعروف باسم آدم ـ من‏‎ ‎‏الـمجاعیل الـمنتسبـة إلـیـه تعالـیٰ بلا سبق الـحرکـة والـمادّة، وبلا سبق‏‎ ‎‏الـنظام الـعامّ والـقانون الـکلّی فی الـعلل والـمعالـیل؛ ضرورة أنّ هذا‏‎ ‎‏الـمجعول غیر مسبوق بالأب والاُم، فکیف یمکن الالتزام بوجوده حسب‏‎ ‎‏الـوجود الـکائن والـموجودات الـکائنـة علیٰ الاصطلاحات الـفلسفیـة، فهو‏‎ ‎‏أشبـه بالـمخترعات، وإن لم یکن من الـمبدعات والـمجرّدات بالـضرورة،‏‎ ‎‏والالتزام بـه غیر ممکن، کما هو واضح عند أهلـه.‏


‎[[page 238]]‎‏ولو کان الـمراد من هذا الـمجعول معنیً یُشبـه سائر الـمجاعیل‏‎ ‎‏الـطبیعیـة، ویکون إسناده إلـیـه تعالـیٰ کإسناد سائر الـمصوَّرات والـموالـید‏‎ ‎‏إلـیـه تعالـیٰ، فلا یُخصّ هذا الـجعل بآدم، بل کلّ آدم وجمیع بنی آدم مجعول‏‎ ‎‏الله فی الأرض ومخلوقـه حسب الـقانون الـعامّ.‏

أقول:‏ لا شبهـة فی أنّ الأرض من الـحوادث فی هذا الـعالَم، وفی هذا‏‎ ‎‏الـجوّ من الـنظام الـشمسی والـنظام الـکلّی، ولا شبهـة فی أنّها أسبق وجوداً‏‎ ‎‏علیٰ وجود هذا الـمجعول بالـضرورة، وقد مرّت علیها الأزمان والأحیان،‏‎ ‎‏وتصرّمت الـدهور وانقضت الـعصور؛ حتّیٰ وجد فیها موجود یسمّیٰ بالإنسان،‏‎ ‎‏وعلیٰ هذا یتوجّه الإشکال علیٰ جمیع ذوی الشعور وأرباب الفهم وأصحاب‏‎ ‎‏العقول، ویتوجّـه الـسؤال عن کیفیـة حصولـه.‏

‏وغیر خفیّ: أنّ إرجاع حصولـه إلـیٰ سائر الـحیوانات، لا یورث حلّ‏‎ ‎‏الـمعضلـة لنقل الـکلام إلـیٰ الـحیوان الأوّل، وسیمرّ علیک الـبحث حول هذا‏‎ ‎‏الـجهـة إن شاء الله تعالـی.‏

وبالجملة:‏ ما فی هذه الآیـة من جعل الـخلیفـة فی الأرض، لا یلزم أن‏‎ ‎‏یکون متّحداً مع ما فی قولـه تعالـیٰ فی الآیـة الآتیـة: ‏‏«‏وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ‏»‏‏؛‏‎ ‎‏لاحتمال کون الـمتعلّم للأسماء من أولاد تلک الـخلیفـة، وهو الـظاهر کما مرّ،‏‎ ‎‏فالـبحث عن تطوّرات آدم الـمتعلّم وکیفیـة خلقتـه، غیر الـبحث عن هذا‏‎ ‎‏الـمجعول فی الأرض الـمسؤول عنـه فی سؤال الـملائکـة والـمنسوب إلـیـه‏‎ ‎‏الإفساد والـسَّفْک، فلا تخلط.‏

وبالأخَرة تبیّن: ‏أنّ هذه الآیة ناظرة إلـیٰ کیفیـة وجود آدم الأوّل، وأنّه‏‎ ‎‏لایستند إلـی آدم آخر، بل هو مستند إلـیٰ جعل الله تعالـیٰ، وهذا ممّا یشکل‏
‎[[page 239]]‎‏أمره ویریب جدّاً؛ لأنّ حصول آدم الأوّل لو کان من جهـة اجتماع الـشرائط‏‎ ‎‏اللازمـة الـمعدّة والـدخیلـة للزم ذلک فی الأحیان والـعصور الـمتأخّرة، مع‏‎ ‎‏أنّـه أمر غیر معهود، ولا معنیٰ لاختصاص تلک الـشرائط بعصر دون عصر‏‎ ‎‏ومصر دون مصر ‏هذا أوّلاً.

‏وثانیاً: ‏‏لا یکون أمراً خارجاً عن قانون الـعلّیـة والـمعلولیـة، وعن‏‎ ‎‏الـنظام الـکلّی الـساری والـنافذ فی الـعالـم.‏

ولأجل ذلک صارت هذه الـمسألـة من الـمعاضل والـمشاکل الـعلمیـة،‎ ‎‏وأنّـه هل آدم الأوّل غیر مسبوق بآدم، أم لا؟ وأنّـه هل یکون مسبوقاً بحیوان‏‎ ‎‏متبدّل إلـیـه تدریجاً، أم من جنس آخر کالـجنّـة والـملائکـة الـذین یشبهون‏‎ ‎‏الـجنـة والأناسی فی الـتوالـد والـتناسل، وذهبت الـعقول إلـیٰ مذاهب شتّیٰ،‏‎ ‎‏وصارت صرعیٰ، ولأجل ذلک یقع الـبحث هنا فی مراحل‏

‎[[page 240]]‎

انتهای پیام /*