وعلیٰ مسلک أصحاب الحدیث
فعن الـحسن وقتادة: قال الله للملائکـة: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً»أی إنّی فاعل هذا.
وقال الـسدّی: استشار الـملائکـة فی خلق آدم. ورواه ابن أبی حاتم،
[[page 272]]وقال: رُوی نحوه عن قتادة.
وعن عبدالـرحمن بن سابط: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: «دُحِیَتِ الأرض من مکّـة، وأوّل من طاف بالـبیت الـملائکـة، فقال الله تعالیٰ: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً» یعنی مکّة».
وعن ابن عبّاس وعن ابن مسعود واُناس من الصحابة: أنّ الله تعالـی قال للملائکة: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً» قالـوا: ربّنا وما یکون ذلک الخلیفة؟ قال: یکون لـه ذرّیّـة یُفسدون فی الأرض، ویتحاسدون، ویقتل بعضهم بعضاً.
وکان محمد بن إسحاق یقول فی قولـه تعالـیٰ: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً» یقول: ساکناً وعامراً یعمرها ویسکنها، خلقاً لیس منکم.
وعن ابن عبّاس: قال: إنّ أوّل من سکن الأرض الـجنّ، فأفسدوها وسفکوا فیها الـدماء، وقتل بعضهم بعضاً. قال: فبعث الله إلـیهم إبلیس، فقتلهم إبلیس ومن معـه حتّیٰ ألحقهم بجزائر الـبحور وأطراف الـجبال، ثمّ خلق آدم فأسکنـه فیها، فلذلک قال: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً».
وعن الـثوری، عن ابن سابط: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ» قال: یعنون بـه بنی آدم.
وعن عبدالرحمن بن زید بن أسلم قال الله للملائکـة إِنِّی اُرید أن أخلق
[[page 273]]فی الأرض خلقاً وأجعل فیها خلیفـة ولیس لله عزّوجلّ خلق إلاّ الـملائکـة والأرض، ولیس فیها خلق قالـوا: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا».
وعن ابن عبّاس وابن مسعود: أنّ الله أعلم الـملائکـة بما تفعلـه ذرّیّـة آدم، فقالـت الـملائکـة ذلک.
وعن عبدالله بن عمر، قال: کان الـجنّ بنو الـجانّ فی الأرض قبل أن یُخلق آدم بألفی سنـة، فأفسدوا فی الأرض وسفکوا الـدماء، فبعث الله جُنداً من الـملائکـة، فضربوهم حتّی الـحقوا بجزائر الـبحور، فقال الله للملائکـة: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ... قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
وعن أبی الـعالـیـة: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً» قال: خلق الله الـملائکـة یوم الأربعاء، وخلق الـجنّ یوم الـخمیس، وخلق آدم یوم الـجمعـة، فکفر قوم من الـجنّ، فکانت الـملائکـة تهبط إلـیهم فی الأرض فتقاتلهم ببغیهم، وکان الـفساد فی الأرض. فمن ثَمَّ قالـوا: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا» کما أفْسدت الـجنّ، «وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ» کما سفکوا.
وعن الـحسن، قال: قال الله للملائکـة: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً» قال لهم: إِنّی فاعل فآمنوا بربِّهم، فعلّمهم علماً وطویٰ عنهم علماً علمـه ولم یعلموه، فقالـوا بالـعلم الـذی علّمهم: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ
[[page 274]]الدِّمَاءَ... قَالَ إِنِّی أَعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ».
وعن قتادة فی قولـه تعالـی: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا»: کان الله أعلمهم إذا کان فی الأرض خلق أفسدوا فیها وسفکوا الـدماء، فذلک حین قالـوا: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا» وعن ابن أبی حاتم بسنده عن معروف ـ یعنی ابن خَرَّبُوذ الـمکّی ـ عمّن سمع أبا جعفر محمّد بن علی علیهماالسلام یقول: «السجل ملک، وکان هاروت وماروت من أعوانـه، وکان لـه فی کلّ یوم ثلاث لمحات فی أمّ الـکتاب، فنظر نظرة لم تکن لـه، فأبصر فیها خلق آدم وما کان فیها من الاُمور، فأسرّ ذلک إلـیٰ هاروت وماروت، وکانا من أعوانـه، فلمّا قال تعالـیٰ: «إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ» قالا: ذلک استطالـة الـملائکـة».
وعن عبدالله بن یحییٰ بن أبی کثیر، قال: سمعتُ أبی یقول: إنّ الـملائکـة الـذین قالـوا: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ» کانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عندالله فأحرقتهم.
وعن قتادة: قولـه: «إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ» قال: استشار الـملائکة فی خلق آدم فقالـوا: «أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا» وقد علمت الـملائکـة أنّـه لا شیء أکره عند الله من سفک الـدماء والـفساد فی الأرض «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ... قَالَ إِنِّی أعْلَمُ مَا لاَتَعْلَمُونَ» فکان فی علم الله أنّـه سیکون من ذلک
[[page 275]]الـخلیفـة أنبیاء ورسل وقوم صالـحون وساکنوا الـجنّـة.
وعن ابن عبّاس: أنّـه کان یقول: إنّ الله لمّا أخذ فی خلق آدم علیه السلام قالـت الـملائکـة: ما الله خالـق خلقاً أکرم علیـه منّا وأعلم منّا، فابتُلوا بخلق آدم، وکلّ خلق مبتلیً کما ابتُلیت السماوات والأرض بالـطاعـة، فقال الله تعالـی: «إِئْتِیَا طَوْعاً...» إلـیٰ آخره.
وقولـه تعالـیٰ: «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ»؛ قال معمر، عن قتادة، قال: الـتسبیح تسبیح والـتقدیسُ الـصلاة.
وعن ابن عبّاس وابن مسعود واُناس من الـصحابـة: «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ» قال: یقولون: نصلّی لک.
قال مجاهد:«وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ» قال نعظّمک ونکبّرک. وقال الـضحّاک: الـتقدیس: الـتطهیر، وعن محمد بن إسحاق: لا نعصی، ولا نأتی شیئاً تکرهـه.
وعن أبی ذرّ: أنّـه صلی الله علیه و آله وسلم «سُئل: أیّ الـکلام أفضل؟ قال: ما أصطفیٰ الله لملائکته: سُبحانَ الله ِ وبحمدِهِ».
[[page 276]]