المسألة السادسة
دلالة الآیة علیٰ أنّ الواضع هو اللّٰه
اختلف الاُصولیون فی الـواضع: فمنهم من ذهب إلـیٰ أنّه اللّٰه تعالـیٰ، ومنهم من ذهب إلـیٰ أنّـه أشخاص مُعیَّنون.
ومنهم من ذهب إلـیٰ أنّ واضع الألفاظ هو نوع الـبشر، فیکون الـوضع تدریجیَّ الـوجود حسب مساس الـحاجـة والأغراض، وبعد انضمام الـقبائل والطوائف اتّسعت دائرة اللغات، وتکثّرت الألفاظ بالنسبة إلیٰ المعنیٰ الواحد.
وربّما یستدلّ علیٰ الأوّل ببعض الآیات: ومنها قولـه تعالـیٰ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ کُلَّهَا»، فیعلم من ذلک أنّـه تعالـیٰ تصدّیٰ لـوضع الألفاظ للمعانی والـطبائع الـکلّیـة أوّلاً، ثمّ علّم آدم تلک الأسماء، فإذا عرض الـمعانی علیٰ الـملائکـة، و أبدیٰ لـهم تلک الـطبائع والـحقائق، ما کانوا عارفین بأسمائها، بخلاف آدم علیه السلام، ثمّ بعد تعلُّم آدم تلک الألفاظ انتقل علمـه إلـیٰ ذرّیّتـه وبنیـه، فلا وجـه لـسائر الأقوال.
[[page 329]]أقول: إنّ الـقائلین بهذه الـمقالـة یستثنون أعلام الأشخاص؛ لـقیام الـضرورة علیٰ أنّ واضعها آباء الأبناء، وإذا نظرنا ـ فی هذه الأعصار ـ إلـیٰ الـمعانی الـحدیثـة والألفاظ الـموضوعـة لـها، وإلـیٰ الـکتب الـمؤلّفـة وأسمائها نجد أنّ واضعها اللّٰه تعالـیٰ، وهکذا یتبیّن لـنا أنّ قصّـة تعلیم آدم تلک الأسماء لـیست من قبیل هذه الأسماء اللفظیـة، أو یکون وضع کلّ إنسان وضع اللّٰه تعالـیٰ؛ لأنّ جمیع الأفعال الـمستندة إلـیٰ الـمعلول، مستندةٌ إلـیٰ الـعلّـة بالأولویـة والأحقّیـة فلا منع من الـقول: بأنّ واضع الألفاظ هو اللّٰه تعالـیٰ؛ لـعدم خروج شیء عن حکومتـه وقدرتـه، کما لا منع من کون الـواضع هو الـشخص لا الـنوع فی طول واضعیتـه.
وأظهر من هذه الـمقالـة قولـه تعالـیٰ: «لَمْ نَجْعَل لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِیّاً». وسیظهر لـک زیادة توضیح حول مسألـة الأسماء والـمُسمَّیات، ما ینفعک فی هذه الـمرحلـة إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.
[[page 330]]