وعلی مسلک الحکیم
«قَالُوا» أی الـملائکـة، وأفهموا وأعربوا عمّا فی أنفسهم بالـتجلّی «سُبْحَانَکَ لاَ عِلْمَ لَنَا» بسیطاً ومرکّباً، ولا وجود لـنا، فإنّـه عین الـعلم، والـعلم عین الـوجود «إِلاَّ مٰا عَلَّمْتَنَا»؛ أی فی وقت أوجدتنا وأبدعتنا، ولا حرکـة فی هذه الـطائفـة من الـملائکـة، إلاّ ظهور وتجلٍّ هو یفسَّر بما فی الـکتاب الإلهی «إِنَّکَ أَنْتَ العَلِیمُ» فلا عالـم فوقک، فانّ فوق کلّ ذی علم علیماً، فتأمّل «اَلْحَکِیمُ»مؤکداً، فإنّ حکمتـه تعالـیٰ کسائر الـصفات الأوّلیـة والـعوارض الـعامّـة.
«قَالَ یَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ»، ویا خلیفـة اللّٰه أبرِزْ ما وصلتَ إلـیـه من الـکمالات، وأظهِرْ وحقّقِ الـحقائق الـموجودة بوجودک، الـبالـغـة إلـیک بالـحرکـة الـذاتیـة الـطبیعیـة، بخلاف تلک الـملائکـة الـذین هم متعلّمون بالإبداع، «فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ» وبما فی حقائقهم ومصالـحهم ومفاسدهم، وبما فیـه من حدود وجودهم وتعیّن صراطهم، وبما لا یحیطون ولم یحیطوا ولن یحیطوا، «قَالَ»اللّٰه تعالـیٰ أو الـملائکـة الـمتوسّطـة الـتی هی الـوسائط وتجوز نسبـة اُمورهم إلـیٰ اللّٰه وتجلّیٰ الإلـه عندئذٍ «أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ غَیْبَ السَّمَـٰوَاتِ وَالأَرْضِ وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ومَا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ» فلمّا تبیّن الأمر لـکم أیّها الـملائکـة الـعرضیـة الـمتوسّطـة بین الـطولیات والـسُّفلیات، والـعقول الـمتکافئـة الـناظرة بوجـه إلـیٰ ما یقع فی الـسوافل، أَنّی عالـم بما فی غیب الـسماوات کلّها والأرض، وبکلّ شیءٍ، علماً تابعاً للعلم الـذاتی الـمتعلّق بنفس ذاتـه الأزلیـة، فأعلم الـغیب الـمضاف بالـغیب الـمطلق،
[[page 370]]ونعلم الـمشاهدة الـمضافـة والـمطلقـة بهما، فنعلم الـغیب الـمقیّدو الـمشاهدة الـمقیّدة، وهو ما تُبدون وما تَکتمون بالـضرورة وبالأولویـة الـقطعیـة، فلا یعزب عن علمـه مثل ذرّة فی الأرض والـسماوات.
[[page 371]]