سورة البقرة

البحث الخامس : حول کفایة الندامة فی التوبة

الآیة الخامسة و الثلاثون إلی الآیة التاسعة والثلاثین / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 161645 | تاریخ : 30/02/1385

البحث الخامس

‏ ‏

حول کفایة الندامة فی التوبة

‏ ‏

‏لاشبهـة فی وجوب الـتوبـة، وإنّما الـشبهـة فی أنّـه یجب عقلاً فقط، أو‏‎ ‎‏واجب شرعاً. والـمسألـة مذکورة فی محلّـه‏‎[1]‎‏، وحیث إنّ الآیـة أجنبیـة عن‏‎ ‎‏هذه الـمسألـة، فلا ندخل فیها.‏

وإنّما هناک خلاف آخر:‏ وهو أنّ الـتوبـة الـواجبـة ـ حسب ما تحرّر فی‏
‎[[page 450]]‎‏الـکتب الـفقهیـة، دون ما ینظر فیها الـرجل الـکلامی وعلم الـکلام ـ هل هی‏‎ ‎‏نفس الـندامـة، بخلاف الاستغفار الـواجب فی الـفقـه أحیاناً فی موارد کثیرة‏‎ ‎‏فی باب الـکفّارات، فإنّـه واجب ولـه الـصیغـة والألفاظ، ولابدّ من الإبراز، أم‏‎ ‎‏هی الـندامـة الـمقرونـة بالألفاظ الـدالّـة علیها، أو الألفاظ المبرِزة لـها؟‏

‏وقد ذهب جُلّ أصحابنا إلـیٰ کفایـة الـندامـة الـنفسانیـة، وربّما یُستشَمّ‏‎ ‎‏من قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ‏»‏‏ أنّ هناک ألفاظاً‏‎ ‎‏تلقّاها أوّلاً آدم من ربّـه، فتعلّمها، وما ذلک إلاّ لإبرازها وإظهارها، فإذا تشبّث بها‏‎ ‎‏وتاب قُبلت توبتـه، فیعلم منها وجوب الإبراز والإنشاء الـمقرون بالـندامـة‏‎ ‎‏الـقلبیـة کی تقبل الـتوبـة.‏

أقول: ‏ویحتمل أن یکون الـتلقّی لـحصول قابلیـة آدم للتوبـة، فإنّ قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏فَتَابَ عَلَیْهِ‏»‏‏ معناه: أنّـه تعالـیٰ تاب علیٰ آدم، فتلک الـکلمات‏‎ ‎‏الـمُلقاة علیٰ آدم وتلقّاها آدم، دخیلـة فی إمکان توبتـه تعالـیٰ علیـه،‏‎ ‎‏فالـفیض الإلهی من الـجواد علیٰ الإطلاق مشروط بحصول قابلیـة الـمحلّ،‏‎ ‎‏وهی مادّة آدم بعد احتجابها بتلک الـشجرة الـملعونـة، فلا دلالـة لـلآیـة علیٰ‏‎ ‎‏وجوب الـتلفّظ بألفاظ خاصّـة ـ مثلاً ـ فی الـتوبـة الـواجبـة، وأمّا أنّ تلک‏‎ ‎‏الألفاظ ما هی؟ فهو أیضاً بحث خارج عن نطاق هذه الـمسألـة کما لایخفیٰ.‏

فما فی الـکتب الـتفسیریـة:‏ أنّـه سأل اللّٰه تعالـیٰ بتلک الـکلمات،‏‎ ‎‏فتاب اللّٰه علیـه بعد ذلک، غیر صحیح.‏

‏بل الـظاهر دلالـة الآیـة ـ لـمکان کون الـجملـة فی حکم الـشرطیـة،‏‎ ‎‏ولمکان الـفاء ـ علیٰ أنّ الإبراز بکلمـة خاصّـة وجملـة استغفاریـة، أو إبراز‏‎ ‎‏کلمـة وجملـة مشتملـة علیٰ الـتوبة بالـحمل الأوّلی، غیر لازم، کما صرّح بـه‏
‎[[page 451]]‎‏کثیر من الـفقهاء الـعظام ـ کثّر اللّٰه أمثالـهم ـ وإن ذهب بعضهم إلـیٰ خلاف‏‎ ‎‏ذلک، ولأجلـه احتاط الـعلاّمـة الـیزدی ـ رحمـه اللّٰه ـ بضمّ الاستغفار إلـیٰ‏‎ ‎‏الـتوبـة‏‎[2]‎‏، فلیتأمّل.‏

‏وبالـجملـة: یتوجّـه ـ حسب الـنظر الـبدوی ـ أنّـه لاربط بین قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ‏»‏‏، وبین قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏فَتَابَ عَلَیْهِ‏»‏‏، فإنّ‏‎ ‎‏مقتضیٰ الـفرعیـة والـتفریع، وهکذا مقتضی الـجزاء، وجود الـربط الـخاصّ‏‎ ‎‏بین ما قبل الـفاء وما بعدها.‏

‏وعندئذٍ یتوجّـه الـسؤال عن وجـه تلقّی آدم کلماتٍ من اللّٰه ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏ووجـه توبتـه تعالـیٰ علیـه؟ وإذا نظرنا إلـیٰ الآیـة الـشریفـة نظر فقیـه تابع‏‎ ‎‏للظواهر الـکلامیـة، یلزم عدم دلالـة الآیـة علیٰ وجوب الإبراز، ولا علیٰ عدم‏‎ ‎‏الـوجوب، وإنّما یلزم وجود شیء یسمّیٰ بالـکلمات؛ سواء کانت قلبیـة، أو‏‎ ‎‏ذهنیـة وخارجیـة، وهنا بعض بحوث اُخر خارجـة عن نطاق الـفقـه، وستمرّ‏‎ ‎‏علیک إن شاء اللّٰه تعالـیٰ.‏

‎ ‎

‎[[page 452]]‎

  • )) راجع کشف المراد : 417 ـ 418، وشرح المقاصد 5: 165 ـ 166.
  • )) راجع العروة الوثقیٰ، السیّد الیزدی 1: 263 ، فی أحکام الأموات .

انتهای پیام /*