سورة البقرة

تفسیر الآیة بالآیات

الآیة الخامسة و الثلاثون إلی الآیة التاسعة والثلاثین / المقام الثانی : البحوث الراجعة إلیٰ آیاتها

کد : 161665 | تاریخ : 10/02/1385

تفسیر الآیة بالآیات

‏ ‏

‏«‏فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ‏»‏‏ وهو الأعمّ من الأنواع الـمتعارفـة الـشیطانیـة،‏‎ ‎‏«‏وَکَذَلِکَ جَعَلْنَا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُوّاً شَیَاطِینَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ‏»‏‎[1]‎‏، ‏‏«‏فَوَکَزَهُ مُوسَیٰ‎ ‎فَقَضَی عَلَیْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ‏»‏‎[2]‎‏ مع أنّـه وکزه فکیف هو من‏‎ ‎‏عملـه؟! ‏‏«‏إِسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِکْرَ اللّٰهِ‏»‏‎[3]‎‏، ‏‏«‏إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمْ‎ ‎عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً‏»‏‎[4]‎‏، فهو علیٰ هذا وجود ممتزج بکثیر من الـموجودات،‏‎ ‎‏وجزء من کثیر من الـمرکّبات، وآدم منها.‏

‏«‏فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ‏»‏‏، وهو اختفاء سوآتهما حسب الـظاهر، قال‏‎ ‎‏اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا‏»‏‎[5]‎‏ وقال فی طٰـه: ‏‏«‏فَأَکَلاَ‎ ‎مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا‏»‏‎[6]‎‏.‏

‏«‏وَقُلْنَا  اهْبِطُوا  بَعْضُکُمْ  لِبَعْضٍ عَدُوٌّ  وَلَکُمْ  فِی  الأَرْضِ  مُسْتَقَرٌّ  وَمَتَاعٌ
‎[[page 487]]‎إِلَیٰ حِینٍ‏»‏‏إنّ الـهبوط لـه معنیً أعمّ، قال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا یَهْبِطُ مِنْ‎ ‎خَشْیَةِ اللّٰهِ‏»‏‎[7]‎‏، ‏‏«‏قِیلَ یَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِنَّا‏»‏‎[8]‎‏، ‏‏«‏إِهْبِطُوا مِصْراً‏»‏‎[9]‎‏.‏

‏وإنّ الأرض تُطلق علیٰ طائفـة من أراضی هذه الـکُرة الـممدودة وعلیٰ‏‎ ‎‏سفح الـجبال، قال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ‎ ‎الأَرْضُ‏»‏‎[10]‎‏، قال تعالـیٰ: ‏‏«‏وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ‏»‏‎[11]‎‏، وقال تعالـیٰ: ‏‏«‏یَوْمَ‎ ‎تَرْجُفُ الأَرْضُ والْجِبَالُ‏»‏‎[12]‎‏، وقال تعالـیٰ: ‏‏«‏إِنَّک لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ‎ ‎الْجِبَالَ طُوْلاً‏»‏‎[13]‎‏، وقال تعالـیٰ: ‏‏«‏یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَیٰ الأَرْضَ بَارِزَةً‏»‏‎[14]‎‏،‏‎ ‎‏وغیر ذلک.‏

‏فیعلم منـه جواز کون الـهبوط من الـجنّـة فی الـدنیا ـ وهی علیٰ‏‎ ‎‏الـجبال ـ إلـیٰ الأرض الـخالـیـة ممّا فی الـجنّـة، ویجوز أن یُراد من قولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏مِمَّا کَانَا فِیهِ‏»‏‏هی الـجنّـة، وهی علیٰ تلک الـمرتفعات من الـجبال،‏‎ ‎‏فلا وجـه لاستفادة الاُمور الاُخر الـموجودة فی سائر الـتفاسیر وقال تعالـیٰ‏‎ ‎‏فی سورة الأعراف: ‏‏«‏قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَکُمْ فِی الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ‎ ‎وَمَتَاعٌ إِلَیٰ حِینٍ‏»‏‎[15]‎‏ من غیر فرق بین الآیتین إلاّ فی کلمتی «وَقُلْنَا» و«قَالَ»،‏‎ ‎
‎[[page 488]]‎‏وقال تعالـیٰ فی سورة طـه: ‏‏«‏قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِیعاً‏»‏‎[16]‎‏وحیث لـم تکن‏‎ ‎‏الـقصّـة إلاّ واحدة والـمخاطبـة إلاّ واحدة، فاختلاف ألفاظ الـحکایـة فی‏‎ ‎‏الـجمع والـتثنیـة ـ حسب الـموردین ـ لـیس إلاّ من الـتفنّن فی الـتعبیر فی‏‎ ‎‏ألفاظها دون واقعها.‏

‏وقد مرّ جواز مخاطبـة الـواحد بالـتثنیـة والـجمع عند اقتضاء‏‎ ‎‏الـبلاغـة ‏‏«‏رَبِّ ارْجِعُونِ‏»‏‎[17]‎‏، قِفا نَبْکِ مِنْ ذِکریٰ .. إلـی آخره‏‎[18]‎‏؛ من غیر‏‎ ‎‏حاجـة إلـیٰ الـتأویل.‏

‏«‏فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِیمُ‏»‏‏، قال‏‎ ‎‏اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏إِنَّ اللّٰهَ یُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِیحُ عِیسَیٰ‏»‏‎[19]‎‏، ‏‏«‏وَجَعَلَهَا‎ ‎کَلِمَةً بَاقِیَةً فی عَقِبِهِ‏»‏‎[20]‎‏، ‏‏«‏إِنَّمَا المَسِیحُ عِیسَی بْنُ مَرْیَمَ رَسُولُ اللّٰهِ‎ ‎وَکَلِمَتُهُ‏»‏‎[21]‎‏.‏

‏فلاینحصر الـکلمـة فی الأقوال والألفاظ، فیجوز أن یُراد منها الاُمور‏‎ ‎‏الـتکوینیـة الـروحیـة، ولعلّ منـه قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏وَإِذِ ابْتَلَیٰ إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ‎ ‎بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ‏»‏‎[22]‎‏، مع أنّ الـمناسبـة تقتضی أن تکون الـکلمـة الـمتلقّاة من‏‎ ‎‏اللّٰه، مسائل روحیـة تکوینیـة، لا قولیّـة ولفظیـة، وإنّما تُفسَّر تلک الـمعانی‏
‎[[page 489]]‎‏الـخارجیـة بالألفاظ حکایـة عنها.‏

‏«‏قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِیعاً فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً فَمَنْ تَبِعَ هُدَایَ‎ ‎فَلاَخَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ‏»‏‏ قال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ‎ ‎لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبَارَکاً وَهُدیً لِلْعَالَمِینَ‏»‏‎[23]‎‏، ‏‏«‏قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّکَ...‎ ‎وَهُدیً وَبُشْرَیٰ لِلْمُسْلِمیِنَ‏»‏‎[24]‎‏.‏

‏فیتبیّن أنّ مصادیق الـهدیٰ أعمّ من الـکتاب والألفاظ وَالـتکوین،‏‎ ‎‏فیجوز أن یکون الـمراد هنا نفس الـرسول الأعظم الإسلامی، أو الـقرآن‏‎ ‎‏بوجوده الـکتبی أو الـسمعی، أو سائر الـصحف الـسماویـة والـرسل الإلهیـة‏‎ ‎‏والـمشاعر والـشعائر والـمؤمنین وأمیرهم علیهم الـسلام و‏‏«‏إِنَّ عَلَیْنَا‎ ‎لَلْهُدَیٰ‏»‏‏.‏

‏ثمّ إنّـه قد وردت فی مواضع کثیرة هذه الآیـة ‏‏«‏لاَخَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَهُمْ‎ ‎یَحْزَنُونَ‏»‏‏، وربّما تبلغ إلـیٰ اثنتی عشرة آیـة، وربّما یخطر بالـبال أنّ فی هذا‏‎ ‎‏الـتقدیم والـتأخیر، نظراً زائداً علیٰ وجوه الـبلاغـة ومحاسن الـجذب‏‎ ‎‏والـجلب؛ ضرورة أنّ من لایکون علیـه خوف یجوز أن یکون فی قلبـه‏‎ ‎‏الـحزن، فکأنّ الـخوف ظاهرة آثاره فی الـبدن والأجسام والـحزن فی الـقلب‏‎ ‎‏وفی الأرواح، قال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ المَلاَئِکَةُ أَلاَّ تَخَافُوا‎ ‎وَلاَتَحْزَنُوا‏»‏‎[25]‎‏، وفی بعض الأخبار: ‏«المؤمن حُزْنه فی قلبه وبِشْره فی‎ ‎
‎[[page 490]]‎وجهه»‎[26]‎‏، وقال اللّٰه تعالـیٰ: ‏‏«‏لاَتَخَفْ وَلاَتَحْزَنْ‏»‏‎[27]‎‏.‏

‏«‏وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولٰئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیْهَا خَالِدُونَ‏»‏‏،‏‎ ‎‏الآیات الـکلامیـة الـسمعیـة والـعینیـة الـمادّیـة، الأرضیـة والـسماویـة،‏‎ ‎‏والـروحیـة الـقلبیـة، قال تعالـیٰ: ‏‏«‏مَا نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَیْرٍ‎ ‎مِنْهَا‏»‏‎[28]‎‏، ‏‏«‏لَوْلاَ یُکلِّمُنَا اللّٰهُ أَوْ تَأْتِینَا آیَةٌ‏»‏‎[29]‎‏، ‏‏«‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ‎ ‎أَنْ یَأْتِیَکُمُ التَّابُوتُ‏»‏‎[30]‎‏، ‏‏«‏وَانْظُرْ إِلیٰ حِمَارِکَ وَلِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنّٰاسِ‏»‏‎[31]‎‏، ‏‏«‏أَنِّی‎ ‎قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ‏»‏‎[32]‎‏، ‏‏«‏تَکُونُ لَنَا عِیداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآیَةً مِنْکَ‏»‏‎[33]‎‏،‏‎ ‎‏«‏هَذِهِ نَاقَةُ اللّٰهِ لَکُمْ آیَةً‏»‏‎[34]‎‏، ‏‏«‏فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنِکَ لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَکَ‎ ‎آیَةً‏»‏‎[35]‎‏، ‏‏«‏وَکَأَیِّنْ مِنْ آیَةٍ فِی السَّمَـٰوَاتِ وَالأَرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْهَا‏»‏‎[36]‎‏،‏‎ ‎‏«‏وَجَعَلْنَا اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ آیَتَیْنِ‏»‏‎[37]‎‏، ففی کلّ شیء لـه آیـة من کفر بها وکذّب،‏‎ ‎‏اُولئک أصحاب الـنار هم فیها خالـدون. وقد ورد أربع وثمانون مرّة فی‏
‎[[page 491]]‎‏الـکتاب الـعزیز کلمـة آیـة، فلیراجع.‏

‏«‏خَالِدُونَ‏»‏‏ قد مرّ الـبحث حول الـخلود ـ حسب الـموازین الـمحرّرة‏‎ ‎‏عندنا ـ فی «قواعدنا الـحِکَمیـة» و«تحریراتنا الاُصولیـة»، قال اللّٰه تعالـیٰ:‏‎ ‎‏«‏وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ‏»‏‎[38]‎‏، ‏‏«‏یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ‎ ‎بِخَارِجِینَ مِنْهَا‏»‏‎[39]‎‏، ‏‏«‏کُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ یَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِیدُوا فِیهَا‏»‏‎[40]‎‏،‏‎ ‎‏«‏کُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ یَخْرُجُوا منْهَا أُعِیْدُوا فِیهَا‏»‏‎[41]‎‏، ‏‏«‏رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا‎ ‎فَإِنَّا ظَالِمُونَ‏»‏‎[42]‎‏.‏

‎ ‎

‎[[page 492]]‎

  • )) الأنعام (6) : 112.
  • )) القصص (28) : 15.
  • )) المجادلة (58) : 19.
  • )) فاطر (35) : 6.
  • )) الأعراف (7): 22.
  • )) طه (20) : 121.
  • )) البقرة (2) : 74.
  • )) هود (11): 48.
  • )) البقرة (2) : 61.
  • )) الرعد (13) : 31.
  • )) الحاقة (69) : 14.
  • )) المزمّل (73) : 14.
  • )) الإسراء (17) : 37.
  • )) الکهف (18) : 47.
  • )) الأعراف (7) : 24.
  • )) طه (20) : 123.
  • )) المؤمنون (23) : 99 .
  • )) من أبیات امرئ القیس.
  • )) آل عمران (3) : 45.
  • )) الزخرف (43) : 28.
  • )) النساء (4) : 171.
  • )) البقرة (2) : 124.
  • )) آل عمران (3) : 96.
  • )) النحل (16) : 102.
  • )) فصّلت (41) : 30.
  • )) راجع الکافی 2: 179 / 1.
  • )) العنکبوت (29) : 33.
  • )) البقرة (2) : 106.
  • )) البقرة (2) : 118.
  • )) البقرة (2) : 248.
  • )) البقرة(2) : 259.
  • )) آل عمران (3) : 49.
  • )) المائدة (5) : 114.
  • )) الأعراف (7) : 73.
  • )) یونس (10) : 92.
  • )) یوسف (12) : 105.
  • )) الإسراء (17) : 12.
  • )) البقرة (2) : 167.
  • )) المائدة (5) : 37.
  • )) الحج (22) : 22.
  • )) السجدة (32) : 20.
  • )) المؤمنون (23) : 107.

انتهای پیام /*