سورة البقرة

حول الفطرة التوحیدیة

کد : 161760 | تاریخ : 02/12/1385

‏حول الفطرة التوحیدیة‏

‏ ‏

‏إنّ فی قولـه تع الـیٰ: ‏‏«‏اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَیٰ‏»‏‏ دلالـة علیٰ أنّ‏‎ ‎‏الإنسان مخلوق بحسب  الـفطرة علیٰ  الـتوحید و الـهدایـة؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏ الـمنافقین ما کانوا مهتدین ب الـهدایـة الاکتسابیـة، فهدایتهم طبعیـة فطریـة، کما‏‎ ‎‏فی  الـحدیث  الـمشهور بین الِفرَق‏‎[1]‎‏.‏

‏ف الـفطرة الأوّلیـة  الـمخمورة، هی فطرة  الـتوحید وفطرة  الـهدایـة‏‎ ‎‏و الـصراط  الـمستقیم، ومبدأ  الـحرکـة  الـتدریجیـة هو  الـمبدأ  الـصحیح، إلاّ‏‎ ‎‏أنّ  الـمتحرّک وراکب  الـسفینـة یعوج  الـطریق، ویَضِلّ ویُضِلّ، ویغرق فی‏‎ ‎‏ الـبحر  الـلجِّی فی ظلمات بعضها فوق بعض.‏

إن قلت :‏ فکیف یجمع بینـه وبین قولـه تع الـیٰ: ‏‏«‏وَمَا کَانُوا مُهْتَدِینَ‏»‏‏؟‏


‎[[page 28]]‎قلت:‏ مفاد الأخیرة: أنّهم ما کانوا مهتدین ب الـهدایات الاکتسابیـة، وما‏‎ ‎‏کانوا متأثّرین من ناحیـة  الـعوامل  الـخارجیـة.‏

‏ومفاد صدرها : أنّهم باعوا  الـهدایـة الأوّلیـة  الـفطریـة  الـتی یولد علیها‏‎ ‎‏کلّ مولود، وهی فطرة اللّٰه  الـتی فطر  الـناس علیها.‏

‏وأیضاً فیـه إشعار: بأنّ ما أصابهم من سیّئـة فمن أنفسهم، وما أصابهم من‏‎ ‎‏حسنـة فمن اللّٰه، فإنّ  الـضلالـة من سوء فع الـهم، فیکون نسبتها إلـیهم أقویٰ‏‎ ‎‏من نسبتها إلـیٰ اللّٰه. وأمّا  الـهدایـة  الـتی باعوها فهی من اللّٰه، وتکون نسبتها‏‎ ‎‏إلـیـه تع الـیٰ أقویٰ وأقرب.‏

‏ف الـضلالـة فی هذه الآیـة منسوبـة إلـیٰ  الـمنافقین، وأنّهم أضلّوا‏‎ ‎‏أنفسهم بالاختیار والإرادة.‏

‏وأمّا أنّ  الـهدایـة  الـتی جعلوها ثمناً وعوضاً، فهل هی حصلت لهم‏‎ ‎‏بالاختیار أم لا؟ فالآیـة ساکتـة من هذه  الـجهـة، إلاّ أنّ من جواز الاستبدال‏‎ ‎‏یظهر أنّ  الـهدایـة أیضاً تحت الاختیار بقاءً وإن لم تکن حدوثاً تحتـه ومورد‏‎ ‎‏ الـقدرة والإرادة، کما فی  الـهدایـة  الـذاتیـة و الـسعادة  الـطبعیـة.‏

‏ومن هنا یظهر فساد مق الـة  الـقائلین بأنّ  الـضلالـة و الـهدایـة من‏‎ ‎‏مخلوقات اللّٰه ومن أفع الـه تع الـیٰ، ولایذمّ علیها ولایمدح‏‎[2]‎‏.‏

‏وأیضاً تدلّ الآیـة علیٰ صحّـة تقبیح  الـمنافقین، ولایصحّ ذلک إلاّ‏‎ ‎‏ب الـنسبـة إلـیٰ الاُمور الاختیاریـة، فتکون من هذه  الـجهـة أیضاً دلیلاً علیٰ‏‎ ‎‏اختیاریـة  الـضلالـة و الـهدایـة، وأنّهم أقرب إلـیٰ أفع الـهم  الـسیّئـة من اللّٰه‏
‎[[page 29]]‎‏تع الـیٰ، کما أنّ الأمر کذلک بحسب ألفاظ الآیـة  الـشریفـة.‏

ویمکن أن یقال:‏ إنّ قولـه تع الـیٰ: ‏‏«‏وَمَا کَانُوا مُهْتَدِینَ‏»‏‏ ناظر إلـیٰ أنّ‏‎ ‎‏ الـهدایـة لیست ب الـنسبـة إلـیهم من  الـذاتیّات و الـمحمولات ب الـصمیمـة‏‎ ‎‏ب الـصاد فما کانوا مهتدین بحسب  الـذات، بل کانت هدایتهم من  الـمحمولات‏‎ ‎‏ب الـضمیمـة ب الـضاد، ولذلک تمکّنوا من اشتراء  الـضلالـة بها. واللّٰه  الـهادی.‏

‎ ‎

‎[[page 30]]‎

  • )) إشارة إلی الحدیث المشهور النبویّ: «کلّ مولود یولد علی الفطرة». الکافی 2 : 10 / 4، عوالی اللآلی 1 : 35 / 18، صحیح البخاری 2 : 587 / 1293 .
  • )) راجع شرح المقاصد 4 : 233 ، شرح المواقف 8 : 145 .

انتهای پیام /*