الوجه الثانی
حـول المحافظة علیٰ الجمال الأدائی
قد تکرّر منّا ـ فی هذه الـوجیزة ـ الإشارة الـیٰ نکتـة أصلیـة منعطف إلـیها الـکتاب الـعزیز، ومتوجّـه إلـیها فی جمیع الأحیان والأحوال، وهی الـمحافظـة علیٰ زنـة الآیـة وزینتها وکیفیـة صوتها ووقوفها فی الأسماع ولذلک تکون الأسماع منها أکثر حظاً وأوفر نصیباً، وإلـیـه الإشارة بقولـه تع الـیٰ: «وَإِذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِیماناً».
فبالجملة: ممّا لاحظـه الـقرآن الإلهی فی أدقّ نظر، وراعاه فی أحسن وجـه، هذه الـخصیصـة، ولأجل ذلک ولجهات اُخر فی طولها، ربّما یحذف فی محلّ ویذکر فی آخر؛ مثلاً تریٰ : أنّ فی هذه الآیات حُذفت حروف الـربط و الـعطف، ولیس عندی وجـه أقویٰ من هذا الـنمط، ولایصل إلـیـه إلاّ من لـه الـتماسّ بعلم الـروح ودقائق لطائفـه، وبفنّ الـموسیقیٰ وخصائص معارفـه، مع أنّ جمیع الـقرآن مشتمل علیٰ الـتحفّظ بهذه الـخاصّـة الـتی بها یمتاز عن غیره، وبها یمکن جلب قلوب الـمعاندین وعواطف الـملحدین و الـمخ الـفین.
فمثلاً تریٰ : أنّـه کیف أتیٰ بکلمـة «مثل» فی هذه الآیـة مرّتین، وقال: «مَثَلَهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ» ولم یأتِ فی الآیـة الآتیـة بمثلها، وقال: «أَوْ کَصَیِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ»، وأنت إذا حذفت « الـمثل» من هذه الآیـة و زدتها علیٰ
[[page 66]]الآتیـة، تجد فیها من الانحطاط مالایخفیٰ؛ من غیر توهّم استناد ذلک إلـیٰ کثرة الـتلاوة، فإنّـه أمر قابل للتدریب والافتنان، بل الـقوم الأوائل کانوا بمجرّد سماع آیـة من الآیات، ربّما یقعون تحت تأثیرها وجذبها، مع أنّها ما کانت ـ بحسب الـمعنیٰ أو الـمادّة، أو الـلطائف الـبدیعیـة الـلفظیـة و الـمعنویـة ـ مشتملـة علیٰ شیء بارز، ولکنّها لاحتوائها علیٰ الـتوزین الـخاصّ و الـرنـة الـمخصوصـة، الـمتطابقـة مع الـلطائف الـروحیـة و الـنفسانیـة، اجتذبت الأکثرین ، وهدمت بنیان الـکفر و الـمشرکین. واللّٰه هو الـموفّق الـمعین.
[[page 67]]