وعلیٰ مسلک التفسیر وأصحابه
«مَثَلُهُمْ» أی هؤلاء الـمنافقین ـ «کَمَثَلِ الّذِی» وبمثابـة الـجملـة و الـجماعـة و الـقوم الـذی «اسْتَوْقَدَ ناراً» وطلب وقود الـنار، «فَلَمّا أضاءَتْ» الـنار، وأنارت «مَـٰا» کان «حَوْلَـهُ» من الـجهات، وما یحیط بـه من الـنواحی و الـضواحی، «ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ»وأهلک الله نور الـمنافقین وضیاءهم، «وَتَرَکَهُم» ـ أی الـمنافقین وخلّیٰ سبیلهم وألقیٰ عنائهم علیٰ أنفسهم «فِی ظُلُمَاتٍ» الـضلالـة و الـجه الـة والنفاق وأمثالها «لایُبْصِرُونَ» طبعاً فیها شیئاً من أسباب الـهدایـة و الـنجاة، والآلات الـتی یمکن أن یتشبّثوا بها للخلاص من الـغرق و الـتحیّر والاضطراب.
وقریب منه: مثل هؤلاء الـمنافقین الـذین کانوا یقولون: آمنّا باللّٰه وب الـیوم الآخر، وما هم بمؤمنین، وکانوا یخادعون اللّٰه ورسولـه، وکانوا مرضیٰ الـقلوب، فزادهم اللّٰه مرضاً، وینسبون الـمؤمنین إلـیٰ الـسفاهـة، وغیر ذلک ممّا مرّ فی الآیات الـسابقـة، «کَمَثَلِ» وکقصّةِ «الَّذِی» ـ أی الـذین ـ «اسْتَوْقَدَ» وأوقد ناراً وأشعلوا نیراناً، «فَلَمَّا أضَاءَتْ» وتنوّرت واستنارت «مَا حَوْلَهُ» من الأماکن و الـمحالّ الـمحیطـة بـه «ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ» بعدما
[[page 100]]أطفأ الله نیرانهم وخمدت نارهم، «وَتَرَکَهُمْ فی ظُلُمَاتٍ لاَیُبْصِرُونَ» فعموا وأصبحوا مظلمین بصراً وبصیرة.
وقریب منه: مَثَل هؤلاء الـمنافقین الـذین اشتَروُا الـضلالـة ب الـهُدیٰ، وقصّـة هذه الـشرذمـة الـقلیلین یشبـه قصّـة الـمستوقد «نَـٰاراً» من الـنیران الـحسّیـة، «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ» وما یتحوّل إلـیـه بنور هذه الـطائفـة الـمستوقدة ناراً، وأهلک اللّٰه نیرانهم بالأریاح و الـعواصف «وَتَرَکَهُمْ» اللّٰه؛ بعدم الاعتناء بشأنهم ومایحتاجون إلـیـه، فجعلهم «فِی ظُلُمَاتٍ» حسّیـة برّیـة محیطـة بهم؛ بحیث «لاَیُبْصِرُونَ» فیها، ولایعرفون شیئاً من شیء.
وقریب منه: «مَثَلُهُمْ» ومَثَل من یشبـه بهم فی الـکفر والاستهزاء و الـعدول عن الـحقّ واشتراء الـضلالـة ب الـهدیٰ، عین «مَثَلِ» الـمستوقد للنار الـحسّی و الـعقلی، فأوقد ناراً فی نفسـه، أو أوقد ناراً بین یدیـه، أو طلب وقود الـنار فی قلبـه، وأشعل الـنار لحوائجـه الـمادّیـة، «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ»هذه الـنار الادّعائیـة و الـمعنویـة الـتی هی نفس طلبها، فإنّ وقود نار الـقلب عین طلب الـنار الـمضیئـة، وأضاءت بهذه الـنار الـواقعیـة أماکنـه، فقبل أن یستضیء الـمستوقد وأصدقاؤه، وقبل أن ینتفع الـمستوقد وحالاتـه الـنفسیـة و الـقلبیـة، وقبل أن یرسخ ذلک الـضوء ویؤثّر فی شیء من برودة قلبـه وبرودة مائـه وإدامـه، «ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ» وبضیاء قلوبهم وبنیران أجسامهم، «وَتَرَکَهُمْ فی ظُلُمَاتٍ» مختلفـة ومتراکمـة متطابقـة، وهم «لاَیُبْصِرُونَ»بأبصارهم ولاببصائرهم، فوقعوا فی ما لا ینبغی وخسـروا خسراناً مبیناً.
وقریب منه: مثل کلّ واحد من هذه الـطائفـة الـباغیـة، «کَمَثَلِ الَّذِی
[[page 101]]اسْتَوْقَدَ ناراً» لجماعتـه ورفقتـه؛ نظراً إلـیٰ انتفاعهم وتضوئهم «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ»، وتهیّؤوا لأن یستثمروا منـه ما کانوا یقصدونـه «ذَهَبَ اللّٰهُ»بنور الـطائفـة الاُولیٰ و الـجماعـة الـثانیـة، فتبیّن فضیحتهم ونفاقهم وإلـحادهم وخبثهم، فلم یتمکّنوا من حقن دمائهم وأمو الـهم، ومن جلب الأموال و الـوجاهـة، کما هم لم یتمکّنوا من الاستثمار من الـنار والانتفاع بها، وإذا ذهب اللّٰه «بِنُورِهِمْ» فلایتوهّم وجود نور لهم فی ذاتهم أو إمکان استیقاد نار اُخریٰ، فإنّ ما أذهبـه اللّٰه تع الـیٰ فلایرجع، وما أخمده اللّٰه فلایعیده غیره، فلازم ذلک «تَرَکَهُمْ فی ظُلُمَاتٍ» من خصائصها الـواضحـة أنّهم «لاَیُبْصِرُونَ».
وقریب منه: «مَثَلُهُمْ» ـ أی مَثَل الـذین إذا قیل لهم: آمِنوا، ق الـوا آمنّا، وإذا خلَوْا إلـیٰ شیاطینهم ق الـوا إنّا معکم ـ «کَمَثَلِ» الـمستوقد للطائفـة مریداً بـه تحفّظهم عن الـبرودة و الـظلمـة «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّٰهُ بِنُورِهِمْ»، وتبیّن أنّ إقرارهم وشهادتهم بالإسلام والإیمان کان لجلب منافع الآخرین الـذین یساندهم من ورائهم وهم شیاطینهم، «وَتَرَکَهُمْ فِی ظُلُمَاتٍ لاَیُبْصِرُونَ»أنفسهم ولا شیاطینهم وأخلاّءهم.
[[page 102]]