الوجه الرابع
التأکید فی الآیة
إنّ الـمقام کان یقتضی أن یکون الـخطاب مقروناً ب الـتأکید، بل الـمناسبـة الـمشار إلـیها دعت إلـیٰ أن یعدّ الـخطاب الـکلّی الـعامّ فی حکم الـشخصی الـجزئی، لما فیـه الـرأفـة و الـمحبّـة و الـلطف الـشدید، ولأجل ذلک خصّ الـنداء علیٰ هذا الـنهج بقولـه: «أَیُّهَا النَّاسُ» لما فیـه من الـتأکید من ناحیـة «أیّ» ومن ناحیـة هاء الـتنبیـه، وقد مضیٰ فیما سلف: أنّ کلمـة «أیّ» عملها تحلیل الـخطاب حکماً لا واقعاً، فلا تنافی بین هذه الـمق الـة وما مرّ من الـبحث الـسابق؛ ضرورة أنّ الـخطاب الـقانونی ب الـنسبـة إلـیٰ الـعموم قانونی، ولکنّـه بحساب الـمخاطبات شخصیّ؛ لأنّ الـمخاطب عنوان عامّ لا الـخطاب، فتأکیده علیٰ الـنمط الـمزبور فی نهایـة الـلُّطف؛ لما عرفت أنّ الآیات الـسابقـة کان وجهها الـیأس و الـتهکّم و الـتثریب، فلابدّ ـ بلا فصل ـ من إبراز الـلطف والاهتمام بهم وإعلام الـرجاء و الـسعادة فی حقّهم، فیکون الـخطاب شاملاً لـه.
ومن الـغریب توهُّم اختصاص الـخطاب والآیـة بمشرکی مکّـة؛ ظنّاً أنّ جمیع الآیات الـمشتملـة علیٰ کلمـة «یَا أَیُّهَا النَّاسُ» مخصوصـة بهم ـ
[[page 305]]کما مرّ فی بحث الـنزول، ومرّ ما فیـه ـ تمسُّکاً بروایـة علقمـة فی تأیـید هذا الـتخیّل علیٰ ضعف سندها ووهن متنها، وإرجاع الآیـة إلـیٰ أه الـی مکّـة مع نزولها فی الـمدینـة، لا یخلو عن تعسّف وتأسّف.
وممّا ذکر سابقاً یظهر وجـه فساد ما تمسّکوا بـه عقلاً من : أنّ الـمؤمنین غیر مقصودین؛ لأنّهم کانوا یعبدون ربّهم الـذی خلقهم، و الـملحدین غیر منظورین؛ لأنّ الـعبادة فرع الـمعرفـة، والأمر ب الـمعرفـة غیر ممکن؛ لأنّـه إن کانت الـمعرفـة حاصلـة فهو من تحصیل الـحاصل، وإن لم تکن حاصلـة فلا یمکن الأمر والإرادة الـجدّیـة ب الـنسبـة إلـیها، کما تحرّر فی الاُصول.
أقول: سیمرّ علیک ما هو حقیقـة الـحال فی الـمسائل الاُصولیّـة، وکیفیّـة دلالـة الآیـة علیٰ أنّ الـکفّار مکلّفون ب الـفروع، کما هم مکلّفون بالاُصول، فانتظر حتّیٰ حین.
[[page 306]]