الجهة الاُولیٰ
حول استناد القرآن إلیٰ العلل الطولیة
إنّ من الـقوانین الـعامّـة الـوجدانیـة، الـمشفوعـة ب الـبراهین و الـلمس والإحساس، قانون الـعلّیـة و الـمعلولیـة، فإنّ إنکار الـعلّیـة الـنافذة و الـمعلولیـة الـساریـة فی الـعو الـم الـع الـیـة و الـدانیـة وفی زوایا الـغیب و الـشهود؛ إمّا یرجع إلـیٰ الـقول ب الـجبر الـباطل فی محلّـه ب الـعقل و الـنقل، أو إلـیٰ الـتفویض؛ ضرورة أنّـه إن قلنا: بأنّ الـعلّیـة باطلـة ، فلازمـه: إمّا حدوث الـحوادث بلا علّـة، وهو خلف، أو أن یکون الـسبب الـوحید هو الله
[[page 473]]تع الـیٰ، وهو الـجبر الـمستـتبع لکونـه تع الـیٰ ممکناً، ویرجع هذا إلـی الأوّل کما لایخفیٰ علی أهلـه.
وإن قلنا: بأنّ کلّ شیء علّـة ذاتیـة تامّـة مستقلّـة لمعلولـه فهو أیضاً إنکار الـعلّیـة؛ لأنّ لازم ذلک تعدّد الـوجوب الـذاتی، الـمستلزم فی الـنتیجـة تعدّد الإلـه، الـمستـتبع لفساد الـعالَم، فإنکار قانون الـعلّیـة معناه إنکار ما هو الـحقّ فی معنی الـعلّیـة فی الـع الـم.
وماهو حقیقتها: أنّـه لیس الأشیاء مستندة إلـیٰ عللها، إلاّ علیٰ معنیً متوسّط لایلزم منـه إهمال الـوسائط، ولا إهمال الـمبدأ الأعلیٰ، وهو معنی الأمر بین الأمرین الـذی ورد علیـه الـنصّ فی مذهبنا الإمامی، ویساعد علیـه الـبرهان الـقویم فی حکمتنا الـع الـیـة، ویشاهد ب الـمشاهدات الـعرفانیـة و الـمکاشفات الـربّانیـة.
وبالجملة: لابدّ من انضمام الـقدیم الأزلی إلـی الـحادث فیما لایزال فی حدوث الـحادث، الـذی هو بین أیدینا من الـکائنات، ولکن لیس هذا الانضمام دون شأن الـوجوب الـذاتی، وفوق حدّ الـممکن و الـفقیر الـحقیقی الـربطی، ولا شقّ ث الـث فی أیّـة زاویـة تراها فی الـع الـم، ولا فی خابیـة من الـخبایا فی الـدنیا الآخرة. لایعقل إهمال الـواسطـة، ولا حذف الـمبدأ وذی الـواسطـة، فتوهّم: أنّ ناقـة ص الـح مستندة إلـیٰ الإرادة الأزلیـة، وقصّـة وجود عیسیٰ علیه السلام إلـی الـعلّـة الاُولیٰ بلا توسّط مبادئ الـعلّیـة و الـمعلولیـة.
وهکذا الـکتب الـسماویـة، ومنها الـقرآن الـعزیز، فإنّها أیضاً ذات علل طولیـة؛ أصلیـة وظلّیـة، ذاتیـة وعرضیـة، کسائر الـکتب الـتی بین أیدینا؛ من غیر اختلاف فی جزئیّ من جزئیات الاُمور فی هذا الـناحیـة الـعامّـة
[[page 474]] الـکلّیـة، وفی هذا الـناموس الـعامّ الـنافذ.
ومن کان یتوهّم خلاف ذلک فقد استأکل من الـموائد الـباطلـة، وجلس علیٰ مطعم شیطانی، غافلاً عن الـحقائق، لاهیاً بالاُمور الإلهیـة، لاغیاً فی الـمسائل الـعلمیـة، غیر وارد فی الـوِرْد الـمورود، غیر شارب من مشارب الـربّ الـودود، مریداً تعظیم الـخ الـق، ذاهلاً عن الـتشبیـه، معتقداً ب الـتنزیـه ، مشتبهاً فی الـتسبیح، والله هو الـمستعان، وعلیـه الـتکلان.
وفی الـمسألـة «إن قلت قُلتات» مذکورة فی قواعدنا الـحکمیـة. ولعمری إنّ حلّ الـمسألـة من أغمض الـبحوث الـفلسفیـة، الـتی لایصل إلـیها إلاّ الأوحدی الـنادر جدّاً.
[[page 475]]