الجهة الثالثة : فی تحدید الضامن وأنّه الغارّ المتلف أو المغرور
إذا أتلف الـمغرور علیٰ صاحب الـمال شیئاً، کما إذا استوفیٰ الـزوج منافع الـمرأة، ثمّ بعد ذلک توجّـه إلـیٰ أنّـه غرّه صدیقـه؛ لأنّـه خدعـه وقال لـه : «إنّها حرّة» فبانت أمـة، فقضیّـة قاعدة الإتلاف هو ضمان الـمستوفی لـلزوجـة والـمرأة، أو لـموالـیها، وقضیّـة الأخبار الـواردة فی قاعدة الـغرور مختلفـة:
فمن طائفـة منها یظهر: أنّ الـضامن هو الـغارّ ابتداءً، ولا شیء علی الـمغرور رأساً، ومن تلک الـطائفـة ما رواه «الـوسائل» کما مضیٰ، حیث قال فیـه علیه السلام: «وأنّ المهر علی الذی زوّجها، وإنّما صار علیه المهر لأنّه دلّسها...» الـحدیث.
فیعلم منه: أنّ الـمرأة ترجع إلـی الـغارّ، لا الـمستوفی.
[[page 400]]ومن طائفـة اُخریٰ یظهر: أنّ الـغارّ ضامن لـلزوج، ومنـه یعلم أنّ ضامن الـمرأة والـتی تلفت منافعها هو الـزوج الـمستوفی، ومن تلک الـطائفـة مامضیٰ من قولـه: «یضمنان الصداق للزوج بما غرّاه».
فعلیٰ هذا ، یکون الـضمان مستقرّاً علیٰ عهدة الـزوج، وعلی الـزوج الـرجوع إلـی الـغارّ بما غرّه، ولایجوز لـلمرأة الـمختدعـة الـمراجعـة إلـیهما عَرْضاً.
ولکن قضیّـة الـجمع بین الـمآثیر جواز رجوعها إلـیٰ کلّ واحد منهما؛ من الـغارّ، ومن الـمستوفی، فإذا رجعت إلـی الـغارّ فهو، وإن رجعت إلـی الـمستوفی؛ لـقاعدة الإتلاف، فلـه الـرجوع إلـی الـغارّ؛ لـقاعدة الـغرور، وأمّا احتمال رجوعها إلـیهما معاً فهو غیر قابل لـلتصدیق.
ومن طائفـة ثالـثـة یظهر: أنّ الـضمان طولیّ؛ أی لـصاحب الـمال الـمراجعـة إلـی الـغارّ إذا أدّی الـمهر والـخسارة، ومن هذه ما رواه «الـوسائل» فی کتاب الـشهادات، عن الـصدوق بإسناده عن إبراهیم بن عبد الـحمید الـذی عرفت حالـه، عن أبی بصیر، عن أبی عبداللّٰه علیه السلام: فی امرأة شهد عندها شاهدان...
إلـی أن قال: «ویضمنان المهر لها عن الرجل...» الـحدیث.
[[page 401]]فإنّه یعلم منها: أنّ الـضامن أوّلاً هو الـزوج والـرجل، فإن أدّیٰ ووقع فی الـخسارة فعلیـه الـمراجعـة إلـی الـغارّ، فلا ضمان علی الـغارّ بدواً حتّیٰ ترجع إلـیـه. ولکنّ الإنصاف أنّ ظاهرها نفی ضمان الـرجل رأساً، فلاتغترّ، فتکون کالـطائفـة الـثالـثـة.
وقضیّـة الـجمع بینها هو الـتخیـیر؛ لأنّ نفی الـضمان بلحاظ أنّ من هو یستقرّ علیـه هو الـغارّ، فتلک الـطائفـة الاُولیٰ ناظرة إلـیٰ من یستقرّ علیـه الـضمان، ومن یخرج من کیسـه الـمهر واقعاً، ولاتکون ناظرة إلـی نفی ضمان الـمستوفی رأساً حتّی یحتاج إلـی الـجمع بالالتزام بالـتخیـیر، کما صنعـه الـوالـد الـمحقّق ـمدّظلّهـ ، فلیتدبّر.
ثمّ إنّ احتمال أنّ الـمغرور لـیس لـه إلاّ الـرجوع إلـی الـغارّ تکلیفاً، وعلیـه جبران ماورد علیـه تکلیفاً، ساقط قطعاً، بل هو ضامن کسائر الـضامنین.
[[page 402]]