إیقاظ وتحصیل: حول مقتضی الاُصول العملیّة فی المقام
قد اُشیر فی مطاوی الـبحوث الـسابقة إلـی أنّ مقتضی الاُصول الــعملیّة عند الـشکّ فی الـمیّتة بالأصالـة، جواز الإحیاء؛ قضاءً لحقّ استصحابها، ولکن عرفت منّا أنّ الـمیّتة بالأصالـة، لیست من الـعناوین الـمأخوذة فی الأخبار، وإخراج الـمیّتة بالـعرض عن إطلاقات الـمسألة، لا یستلزم کون الـعنوان بعد الـتقیید «الأرض الـمیّتة بالأصالـة» لاحتمال کونه الأرض الـمیّتة الـتی تکون بدیّاً، أو لم یسبق إلـیها مسلم. ویؤیّد الأخیرین ما عرفت من الـنبویّ وخبر الـسکونیّ.
وعند ذلک یشکل إحراز موضوع تلک الـمطلقات بعد الـتقیید، بالاستصحاب؛ لأنّ إحراز الـقید لا یورث إحراز الـمقیّد إلاّ بالأصل المثبت، فدعوی أنّ هذه الأرض لم یسبق إلـیها أحد قبل إعمارها، ویشکّ فی الـسبق، فیستصحب هذا الـعدم الـنعتی، غیر نافعة؛ لأنّه بهذه الـدعوی لا یثبت أنّه أحیا تلک الأرض، والـمفروض أنّ الـموضوع هو إحیاء الأرض الـکذائیّة.
[[page 390]]بل یشکل جریان الاستصحاب الـمزبور ولو کان الـعنوان بعد الـتقیید «الأرض الـمیّتة بالأصالـة» لأنّ إثبات عنوان إحیائها لا یمکن إلاّ بالأصل الـمثبت.
وبعبارة اُخری: الـموضوع الـمرکّب إذا أمکن إجراء الأصل بجعل الـعنوان الـمرکّب مصبّه فهو، وإلاّ فلا یمکن إلاّ علی الـقول بحجّیّة الأصل الـمثبت، کما هو قویّ عندنا فی خصوص الاستصحاب؛ قضاءً لحقّ أدلّته.
وغیر خفیِّ: أنّ موضوع الأدلّة لو کان ما فی الـنبویّ وما فی خبر الـسکونیِّ، فهو مثل ما مرّ فی الإشکال.
وأمّا إجراء الاستصحاب الـتعلیقیّ فی الـموضوع، بأن یقال: هذه الأرض کانت إذا أحیاها أحد، لکان من الإحیاء الـبدیِّ، أو من إحیاء أرض لم یسبق إلـیها مسلم، فهو ممنوع عند أهله؛ لرجوع ذلک إلـی الاستصحابات الـتعلیقیّة الاختراعیّة، لا الـشرعیّة.
نعم، أفاد الـوالـد الـمحقّق مدّ ظلّه هنا استصحاباً آخر خالـیاً من إشکال الـمثبتیّة، ویکون من الـتعلیق فی الـحکم؛ وهو أنّ هذه الأرض بعد ما کانت بدیّة قطعاً ولم یسبق إلـیها أحد، کانت إذا أحیاها الـمسلم والـمحیی یملکها، ولا نحتاج إلـی إحراز الـقید الـمأخوذ فی الـدلیل الاجتهادیّ حال الـشکّ الاستصحابیِّ؛ لأنّه لیس من الـشکّ فی الـنسخ، بل بعد انطباق الـدلیل الاجتهادیّ علی الأرض، یشکّ فی بقاء الـحکم الـجزئیّ. وتحریر ذلک علی الـوجه الـدقیق یطلب من محالـة.
[[page 391]]أقول: نعم، ولکنّ الـکلام فی أنّ الـمستصحب الـمعلّق الـمزبور، لیس من الاستصحابات الـتعلیقیّة الـشرعیّة؛ لأنّه مأخوذ من الـدلیل الاجتهادیّ بعد الانطباق علی الـخارج. هذا مع أنّ أدلّة الاستصحاب منصرفة عن الاستصحابات الـتی لا أثر لها فی ظرف الـیقین، فلیتأمّل جیّداً.
ویمکن أن یقال: إنّ موضوع الأدلّة لیس إحیاء الأرض الـمیّتة؛ حتّی یکون مرکّباً غیر قابل للإحراز، بل موضوع الدلیل هکذا: «من أحیا أرضاً میّتة بالأصالة، أو بدیّةً، أو لم یسبق إلیها أحد» فإنّه عند ذلک یجوز إحراز الموضوع بإجراء الأصل فی الأرض، ولا یکون من الـموضوع الـمرکّب. بل إذا اُحرزت أصالـة الأرض فإحیاؤها بالـوجدان، فیکون الـحکم مترتّباً قهراً.
وما قیل: «من أنّ الـموضوع فی الـثبوت مقیّد ومرکّب، ولا یعقل غیر ذلک» فهو متین، إلاّ أنّ الـمتّبع فی مقام الـتقیید مرحلة الإثبات، ونتیجة ذلک جواز الـتمسّک باستصحاب بقاء رکوع الإمام لإثبات درک الـمأموم إیّاه؛ لأنّ حقیقة الـقضیّة فی هذه الـتعابیر، ترجع عرفاً إلـی أنّ الإمام إذا کان راکعاً فأدرکته، صحّت الـجماعة، وأنّ الأرض إذا کانت مواتاً بالأصالـة فأحییتها، صحّت الـملکیّة وهکذا، فتأمّل.
ثمّ إذا شکّ فی الـحیّ بالأصالـة وبالـعرض، بعد کون الأوّل من الأنفال، دون الـثانی، فلا یتمکّن من إحرازه بالأصل ونفی کلّ واحد منهما. مضافاً إلــی معارضته بالآخر مثبت عند أهلها.
نعم، إذا قلنا بأنّ موضوع الأدلّة هی الـتی لا ربّ لها أو ما قارب منه، فیمکن إحراز الـعدم الـنعتیّ بعد بقاء موضوعه وموصوفه.
وأیضاً یشکل الإحراز إذا قلنا: بأنّ موضوع الأنفال هی الـمعمّرة
[[page 392]]بالأصالـة، أو الـمعمّرة لا بالـعرض؛ لأنّ نفی تعمیرها بالأصالـة باستصحاب الـعدم الـمحمولیّ، من الـمثبت الـمحرّر فی محلّه، فتأمّل.
وإذا شکّ فی الإعراض والانجلاء وصیرورتها خربة بالـشبهة الـموضوعیّة أو الـمفهومیّة، فالـحقّ جریان الاستصحاب هنا عندنا، وتفصیله فی کتابنا الـمحرّر فی الاُصول.
[[page 393]]