ومنها: الأراضی المتملّکة بغیر الإحیاء المیّتة بالعرض
والـمنسوب إلـی الـشهرة ـ بل الاتّفاق ـ أنّها لا تخرج عن ملک مالـکها بالـخراب والـموت، وما کان محلّ الـکلام هی الـمتملّکة بالإحیاء.
[[page 396]]ولأجل مثل هذا الاتفاق قیل بقصور قوله علیه السلام: «من أحیا أرضاً میتة...» عن الـمیّتة بالـعرض مطلقاً.
أو یقال: بأنّ الـظاهر من هذه الأخبار، أنّ من أحیا تلک الأراضی فهی ثابتة له علی الـدوام، ولا نزول الـملکیّة حتّی بالإعراض؛ للزوم کونه خلاف إطلاق الـذیل.
ولو صحّ هذا لکان یلزم اجتماع مالـکین فی الأراضی الـتی انجلی عنها صاحبها. مع أنّه یکون اعتبار الـملکیّة لهم ولو بعد الانجلاء لغواً؛ لعدم الــتزامهم بأداء شیء إلـیهم؛ لکونه خلاف کونها ملکاً للثانی.
والـذی عرفت منّا: أنّ الإطلاق الـمزبور قویّ ومقتضاه جواز استملاک الأرض الـمیّتة بالـعرض مطلقاً ولو کانت متملّکة بغیر الإحیاء. والاتّفاق الـمزبور محلّ مناقشة صغریً وکبریً فی خصوص الـمسألة بعد کونها ذات روایة، کما لا یخفی.
ثمّ إنّ الأخبار الـدالّة علی أنّ الأراضی التی انجلی عنها صاحبها تکون للإمام وتعدّ من الأنفال، لا تقبل الـحمل علی کون صاحبها الـمنجلی عنها، هو مالـکها بالإحیاء؛ لأنّه من الـحمل علی الـفرد الـنادر، ضرورة أنّ تلک الـقری والـقصبات تکون موروثة طبعاً ونوعاً. مع أنّ حکمة الـحکم الـمزبور ـ لو ثبت أنّه من الإسلام ـ لا تفرّق بین هذه الـصور، بل الـمناط والـملاک إخراج الأرض عن کونها معطّلة ومیّتة، وترغیب مالکها فی الإحیاء والتعمیر.
ولو شکّ حکماً فی شرطیّة الإعراض وزوال الـملک الأوّل فی مملّکیّة
[[page 397]]الإحیاء الـثانی، ففی کفایة الإحیاء الـثانی فی الـمملّکیّة عملاً بأصالـة الـبراءة الـشرعیّة عن الـشرط الـمزبور، وعدم کفایتها؛ لعدم جریانها عندهم فی هذه الـمواقف، وجهان.
ثمّ إنّه ربّما یخطر بالـبال سؤال: عن أنّ الأرض الـمیّتة بالـعرض، هل تخرج عن ملک مالـکها بالـموت، فیکون الإحیاء الـثانی فی محلّ قابل للتملّک؟
أو تخرج بالإحیاء الـثانی، کما فی الالتقاط الـمخرج للملتقط عن ملک مالـکه إلـی ملک الـملتقِط، ولا یکون الـملتقَط، بالـضلال خارجاً عنه؟
أو الإحیاء کاشف عن زوالـه؛ فلا تجوز الـتصرّفات الاُخر فیه، ویتبع رضاه إلاّ فی الإحیاء؟
أو یبقی ملکه بحالـه إلـی الأبد، ویجوز له بعد ما صارت میّتة ثانیاً منع الـغیر عن سائر الـتصرّفات، فلا یکون لغواً؟
وجوه أقواها وأرضاها من الأدلّة هو الـثانی، والله الـعالـم بحقائق الاُمور.
ومن الـممکن أن یقال: «إنّ الـنسبة بین هذه الأدلّة وأدلّة ممنوعیّة الـتصرّف فی مال الـغیر، عموم من وجه، وحیث تکون تلک الأدلّة مؤیّدة بالـمساعدة الـعرفیّة وبالـقوانین الـعقلائیّة، تقدّم علیها، فلا یجوز الإحیاء قبل الانجلاء والإعراض.
وقیل: «إنّها مقدّمة لأظهریّتها، ولأنّ تقدیمها علی تلک الأدلّة یستلزم نادریّة الـفرد الـباقی تحت هذه الأدلّة».
وفی کلّ ذلک نظر تقرّر منّا فی محلّه. مع الـمنع الـصغرویِّ؛ لعدم کون
[[page 398]]الـباقی نادراً واقعاً، ولا تضرّ الـندرة بالـنسبة، کما لا یخفی.
نعم، تعرّض تلک الأدلّة للعنوان الـعرضیّ وهذه الأدلّة للعنوان الـذاتیِّ، مع أوسعیة نطاق تلک عن هذه، ربّما یورث تقدیم الـعرف أخبار الـمسألة علی روایات تلک الـمسألة، فلیتدبّر جیّداً.
ولنا دعوی: أنّ الإحیاء کاشف عن زوال الـملکیّة عند الـشرع بمجرّد صیرورتها میّتة، فعلیه لا یلزم الـتعارض، کما أنّه تتقدّم هذه الأدلّة قطعاً إذا ضمّ إلـیها ما دلّ علی أنّ الإحیاء یؤخّر إلـی ثلاث سنین، وکما لا تعارض علی الـقول الأوّل، والله الـعالـم بحقائق أحکامه.
[[page 399]]