إیقاظ : فی کیفیّة تصویر الأمر بالمهمّ
إنّک قد عرفت فیما سبق: أنّ البعث والأمر لیس إلاّ للتحریک، وأمّا ماهو المحرّک الواقعیّ، هو حدود إدراک المکلّف من المولیٰ والأمر، وحدودُ التزاماته بتبعات التکالیف، فإذا صدر من المولیٰ أمر بالنسبة إلیٰ فعل الإزالة، واطلع العبد علی أنّ للمولیٰ غرضاً هامّاً، واستکشف بالأمر ذلک المطلوب الجدّی الإلزامیّ، فلا معنیٰ لبقاء الأمر، ولا حاجة إلیه وإلیٰ فعلیّته وغیرها، ولا یتوقّف استحقاق العقوبة علیٰ بقائه بحسب اللبّ والثبوت.
[[page 389]]نعم، إذا دلّ دلیل من قبل المولیٰ علی انتفائه فهو المتّبع. کما أنّه لو کان صحّة المأمور به موقوفةً علیٰ بقائه مثلاً، فلابدّ من الالتزام ببقائه، کما نحن فیه.
فعلیٰ هذا، لایسقط أمر الصلاة المهمّ، ویسقط أمر الأهمّ، ولکنّه لایستتبع إلاّ وجوب صرف القدرة أوّلاً فی الأهمّ، ومع البناء علیٰ عدم الاعتناء فعلیه صرفها فی المهمّ، من غیر قصور فی مقتضی المهمّ، ومن غیر حصول المزاحمة من ناحیة الأهمّ.
وبعبارة اُخریٰ : أمر الإزالة مطلقاً ساقط، ولا حاجة إلیٰ بقائه بعد استکشاف الملاک الإلزامیّ به، وبعد تحقّق الموضوع المحرّک اعتباراً، وبعد أنّ سقوطه لایتوقّف علی المزاحمة واللامزاحمة.
فعندئذٍ لنا أن نقول : إنّ مقتضی الأهمّ قد استکشف، ولا دلیل علی انتفائه، ولا عذر فی ترکه، ولا یتقوّم مطلوب المولی النفسانیّ ـ ولو کان إلزامیّاً ـ علی القدرة؛ أی یمکن أن یکون للمولیٰ شوق نفسانیّ إلزامیّ، کشوقه إلیٰ إنقاذ ولده، مع عجز العبد عن ذلک، فإذا کان العبد قادراً فعلیه الإنقاذ، وإذا کان عاجزاً فلایسقط شیء، ولا یحصل قصور فی طلبه النفسانیّ وشوقه، فإذا اشتغل بالصلاة فهی المأمور بها، وتصحّ ویستحقّ العقوبة علیٰ ترک الأهمّ عندئذٍ بالضرورة.
فبالجملة : لتصویر الأمر بالمهمّ فی المثال المعروف طریقان:
الأوّل : ماهو الحجر الأساس فی علاج باب التزاحم.
والثانی : مایختصّ بمثل هذا الفرع ومشابهه؛ ممّا یکون أحد المتزاحمین عبادیّاً، والآخر توصّلیّاً، فإنّ أمر التوصّلی یسقط ولو کان أهمّ؛ لعدم الحاجة إلیٰ بقائه وإلیٰ فعلیّة التکلیف الإنشائیّ وغیره.
وإن شئت قلت : للمولیٰ أن یخبر العبد بشوقه الإلزامیّ بالنسبة إلیٰ إنقاذ الغریق، وأن یأمره بالصلاة مع کونه ذا قدرة واحدة، وعندئذٍ لایلزم قبح، ولا محال
[[page 390]]وخلف، والأوامر التوصلیّة فی حکم الإخبار، ولا تکون إلاّ آلات الکشف.
وتوهّم : أنّ صدق «الإطاعة» موقوف علیه، ممنوع صغریٰ وکبریٰ؛ وذلک لأنّ وجوده الحدوثیّ یکفی لذلک، بعد بقاء المستکشف به والمصلحة الملزمة، ولأنّ صدق «الإطاعة» لیس من الواجبات الشرعیّة، ولا العقلیّة، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
[[page 391]]