الجهة الثالثة : فی شمول النزاع لجمیع أنحاء الإیجاب والتحریم
لا یختصّ النزاع بالإیجاب والتحریم الخاصّین، بل الظاهر جریانه فی جمیع أنحاء الإیجابات والتحریمات النفسیّة والغیریّة، والعینیّة والکفائیّة، والتعیینیّة
[[page 139]]والتخییریّة، وغیرها ممّا مرّ منّا فی تقاسیم الواجب والحرام.
ولایتعیّن کون طرف الواجب للنفسیّ التحریم النفسیّ، بل هو أیضاً أعمّ من هذه الجهة، فیمکن جریان النزاع بین الواجب النفسیّ التعیینیّ العینیّ، مع کلّ واحد من مقابلاته فی جانب التحریم وبالعکس، فالصلاة فی یوم الجمعة ـ التی هی الواجبة تخییراً فی الدار المغصوبة مورد الخلاف، وهکذا صلاة المیّت فیها، والوضوء الواجب بالوجوب المقدّمی فیها، أو مع الماء المغصوب.
نعم، ربّما یشکل بعض صور المسألة:
إحداها: بناءً علیٰ وجوب ذات المقدّمة فی الواجبات الغیریّة، یلزم اتحاد المتعلّق، ولا یجری النزاع هنا بین الوجوب الغیریّ والحرام الذاتیّ المتعلّق بذاته، أو الحرام المقدّمی المتعلّق بذات المقدّمة.
مثلاً: إذا کان الکون علی السطح واجباً، یکون نصب السلّم واجباً، وإذا کان المکلّف یرید شرب الخمر علی السطح، یکون النصب محرّماً، فیخرج عن محلّ النزاع؛ لوحدة متعلّق الأمر والنهی.
أقول: قد تقرّر منّا فی محلّه؛ أنّ ما هو الواجب هو عنوان «الموقوف علیه» حتّیٰ علی القول بوجوب مطلق المقدّمة؛ لما تقرّر فی مقامه: من أنّ الحیثیّات التعلیلیّة ترجع إلی التقییدیّة فی الأحکام العقلیّة، وذکرنا هناک لأجل تلک النکتة، دخولَ مقدّمة الحرام فی محطّ النزاع فی بحث مقدّمة الواجب؛ وأنّ ما هو المحرّم ـ علیٰ تقدیره هو عنوان «الموصل» أو «الموقوف علیه» أیضاً، فلا یلزم اتحاد المتعلّق کما تریٰ.
[[page 140]]ثانیتها: لایتصوّر النزاع بین الإیجاب والتحریم التخییریّین؛ لأنّ معنی الوجوب التخییریّ هو إیجاب الجامع بین شیئین، ومعنی الحرمة التخییریّة هو تحریم الجمع بین الشیئین، والمکلّف یتمکّن من الجمع بینهما بالضرورة، فلا تنافی بحسب مقام الجعل، ولابحسب مقام الامتثال.
أقول: هذا ما یستظهر من کلمات بعض المعاصرین ـ مدّظلّه وأنت خبیر بما فیه من المفاسد:
فأوّلاً: إنّ إمکان الامتثال لا یورث الخروج، وإلاّ فیلزم مع وجود المندوحة خروج جمیع الفروض عن حریم النزاع، وهو غیر ملتزم باشتراط المندوحة فی صحّة النزاع.
وثانیاً: إنّ الواجب التخییریّ فرع وجوب آخر لا یرجع إلی الوجوب التعیینیّ، ولا یکون فی مورد الإیجاب التخییریّ مصلحة قائمة بالجامع، بل یمکن أن یکون بکلّ واحد من الطرفین مصلحة خاصّة، إلاّ أنّ الشرع ـ مراعاة للتسهیل والسیاسة اکتفیٰ بالواحد، ولم یوجبها تعییناً.
فعلیٰ هذا نقول: التحریم التخییریّ یتصوّر علیٰ وجهین کما مرّ:
أحدهما: ما یکون المصداق الأوّل محرّماً، والثانی مباحاً.
ثانیهما: عکس ذلک؛ وهو أنّ المصداق الأوّل یکون مباحاً، والثانی محرّماً.
فإن کان المالک رضی بالتصرّف فی إحدی الدارین فقط، وحرّم التصرّف فی الاُخریٰ، فإن کان معناه أنّ الدخول الأوّل محرّم، فلو صلّیٰ صلاة الجمعة المتّحدة
[[page 141]]معه، یلزم الاجتماع.
وإن کان معناه أنّ الدخول الثانی محرّم، فیلزم الاجتماع فی الصلاة المتّحدة معه أیضاً.
وربّما یتصوّر التخییر التحریمیّ فی صورة کون المجموع محرّماً، لا واحد، مثلاً فی صورة الاضطرار إلیٰ سدّ الجوع بالمیتة، أو شرب الخمر تحفّظاً علیٰ نفسه، إذا جمع بینهما یلزم الاجتماع؛ لأنّ الأکل الجامع بینهما محرّم لأجل کون المجموع محرّماً، وواجب لأجل المحافظة علی النفس بالوجوب الغیریّ.
وفی مثال أتیٰ به «الکفایة» مع قصور فی عبارته، یلزم الاجتماع فی صورة التخلّف بإتیان المجموع، کما إذا نهی المولیٰ عن التصرّف فی الدار، والمجالسة مع الأغیار تخییراً، فإنّه إذا صلّیٰ فیها مع مجالستهم، کانت حال الصلاة فیها حالها فی صورة النهی تعییناً عن التصرّف فیها.
ومن الممکن المناقشة فی هذه الصورة: بأنّه مع إمکان الجمع بین الأطراف، یعدّ من المحرّم التعیینیّ.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّه لا ینقلب الواجبات عمّا علیها من الاعتبارات لأجل ذلک، کما برهنّا علیه فی محلّه. وغیر خفیّ أنّ النظر إلیٰ إعطاء الکبریٰ، فلا مُشاحّة فی المثال، ولیس من دأب المحصّلین.
[[page 142]]