المقصد الثالث فی النواهی

الأمر الثالث : حول اعتبار المندوحة

کد : 162801 | تاریخ : 22/10/1385

الأمر الثالث : حول اعتبار المندوحة

‏ ‏

‏إنّ فی اعتبار شرطیّة المندوحة وعدم اعتبارها، أو إضرارها بالنزاع، أو‏‎ ‎‏التفصیل فی المسألة، وجوهاً وأقوالاً لا بأس بالإشارة إلیها إجمالاً؛ حتّیٰ یتبیّن‏‎ ‎‏الحقّ ویستبان حدوده:‏

‏ ‏

الوجه الأوّل :

‏ ‏

‏ما هو صریح «الدرر»‏‎[1]‎‏ وبعض آخر‏‎[2]‎‏ «من أنّ النزاع فی مسألة اجتماع‏‎ ‎‏الأمر والنهی، بعد الفراغ من صدور الأمر والنهی عن جدّ، وهو لا یعقل إلاّ فیما إذا‏‎ ‎‏کان العبد متمکّناً من امتثال کلّ واحد منهما، ولو لم یکن یتمکّن من الامتثال ـ بأن‏‎ ‎‏لا یجد أرضاً مباحة یقیم فیها الصلاة فلا یکون أمر فی البین حتّیٰ یتنازع فی‏‎ ‎‏اجتماعه مع النهی؛ لأنّ الصلاة فی المغصوب لیست مورد الأمر، والصلاة المطلقة‏‎ ‎‏غیر مقدورة.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ الممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ، فلابدّ من وجود المندوحة‏‎ ‎‏حتّیٰ لا یلزم التکلیف بالمحال المستتبع للتکلیف المحال مع الالتفات والتوجّه، کما‏‎ ‎‏هو الظاهر».‏

‏ویظهر منه ‏‏قدس سره‏‏ أنّ المسلّم عند الکلّ عدم الجواز والامتناع؛ لقبح التکلیف بما‏‎ ‎‏لایطاق فی صورة عدم المندوحة‏‎[3]‎‏.‏


‎[[page 177]]‎

الوجه الثانی :

‏ ‏

‏لا یعتبر قید المندوحة فی صحّة نزاع الاجتماع والامتناع فی مرحلة الجعل‏‎ ‎‏والإنشاء؛ لأنّ البحوث الاُصولیّة تکون فرضیّة وحیثیّة، فالأمر والنهی فرضیّان،‏‎ ‎‏والبحث حیثیّ ؛ أی یکون حول أنّ الأمر المتعلّق بشیء، والنهیَ المتعلّق بالعنوان‏‎ ‎‏الآخر، هل یتداخلان وتلزم الوحدة فی المتعلّق فی وعاء الجعل، أو فی وعاء‏‎ ‎‏الخارج، ویتجاوزان إلیٰ أنفسهما، أم لا؟ ولا یلزم المحالیّة من هذه الجهة، وأمّا لزوم‏‎ ‎‏الاستحالة من المناشئ الاُخر فلا ربط له بهذه المسألة.‏

أقول:‏ وأنت خبیر بعدم التهافت بین المقالتین؛ الاُولیٰ وهذه الثانیة الظاهرة‏‎ ‎‏من «الکفایة»‏‎[4]‎‏ وبعض المحشّین‏‎[5]‎‏؛ لأنّ المفروض فی الاُولیٰ أنّ الأمر والنهی‏‎ ‎‏الفعلیّین، هل یعقل اجتماعهما فی المجمع، أم لا؟ والفعلیّة منوطة بالقدرة، وهی‏‎ ‎‏لا تکون إلاّ مع المندوحة، والمفروض فی الثانیة عدم الفعلیّة؛ وأنّ البحث حیثیّ،‏‎ ‎‏فکلاهما یقبلان اعتبار القید ولا اعتباره؛ حسب اختلاف نظرهما إلی المسألة وإلی‏‎ ‎‏الجواز الفعلیّ ولا جوازه، فلا تخلط.‏

ومن هنا یظهر:‏ أنّ القائلین بصغرویّة النزاع، إن کانوا یبحثون بحثاً حیثیّاً‏‎ ‎‏ـ وهو امتناع اجتماع الأحکام المتضادّة فی المجمع وعدمه، وامتناع السرایة وعدمه،‏‎ ‎‏من غیر النظر إلی الجهة الاُخریٰ فلابدّ وأن لا یعتبروا قید المندوحة.‏

‏وإن کانوا ناظرین إلی الأمر والنهی الفعلیّین؛ وأنّهما لا یسریان إلیٰ متعلّق‏‎ ‎‏الآخر، ولا یتعانقان فی المجمع، فلابدّ وأن یکون الأمر فعلیّاً، وهو عندهم لا یعقل‏‎ ‎‏إلاّ مع القدرة علیٰ الامتثال، فلابدّ من وجود المندوحة، فمناط اعتبار قید المندوحة‏‎ ‎
‎[[page 178]]‎‏وعدمه هذا الأمر، دون غیره.‏

‏ومن هنا یظهر ما فی إفادة السیّد الوالد ـ مدّظلّه : من أنّ قضیّة الصغرویّة عدم‏‎ ‎‏اعتبار المندوحة قطعاً‏‎[6]‎‏.‏

فبالجملة تارة:‏ یکون النزاع حول لزوم وحدة المتعلّق وعدمه، ویکون بحثاً‏‎ ‎‏حیثیّاً، فلا وجه لاعتبار المندوحة.‏

واُخریٰ:‏ لا یکون حیثیّاً، بل هو بعد الفراغ من أصل الأمر الفعلیّ، فلابدّ من‏‎ ‎‏اعتباره حسبما رأوا من أنّه من التکلیف بالمحال‏‎[7]‎‏.‏

وإن شئت قلت:‏ إن کان النزاع فی أنّ تصادم المجعولین فی المجمع، هل‏‎ ‎‏یستلزم مصادمة الجعلین بأیّ نحو أمکن، أم لا؟ فلا بدّ من قید المندوحة؛ لأنّ فعلیّة‏‎ ‎‏الجعل منوطة بالمندوحة، وإن کان النزاع فی أنّ تصادمهما فی المجمع، هل یوجب‏‎ ‎‏تصادم الجعلین من جهة خاصّة ـ وهی وحدة المتعلّق، والسرایه وعدمهما فلا یکون‏‎ ‎‏القید معتبراً؛ لأنّه لم یفرض فعلیّة الجعلین، فلیتدبّر.‏

‏ ‏

الوجه الثالث :

‏ ‏

‏أنّ مع الالتزام بفعلیّة الأمر والنهی، لا حاجة إلیٰ قید المندوحة؛ بناءً علیٰ ما‏‎ ‎‏حرّرناه تبعاً للوالد المحقّق ـ مدّظلّه من أنّ الخطابات القانونیة تکون فعلیّة حتّیٰ‏‎ ‎‏فی موارد العجز‏‎[8]‎‏. نعم لابدّ من مراعاة شرائط الخطابات القانونیّة المحرّرة‏‎ ‎
‎[[page 179]]‎‏سابقاً‏‎[9]‎‏، فلا نعیدها.‏

وعلیٰ کلّ تقدیر:‏ العبد فی صورة فقدان المندوحة مکلّف فعلاً بتکلیفین‏‎ ‎‏فعلیّین؛ أحدهما: الصلاة، والآخر: الغصب، فإن أمکن اجتماعهما فی المجمع فهو،‏‎ ‎‏وإلاّ فلابدّ من انکشاف سقوط أحد التکلیفین معیّناً، أو القول بالتخییر، فاعتبار قید‏‎ ‎‏المندوحة علی القول بأنّ النزاع لیس حیثیّاً‏‎[10]‎‏، أیضاً ممنوع، فضلاً عمّا إذا کان‏‎ ‎‏حیثیّاً.‏

أقول:‏ سیظهر فی الوجه الآتی من ذی قِبَل أنّ الفعلیّة المقصودة فی المقام، لا‏‎ ‎‏تناط بالقول بالخطابات القانونیّة، بل یمکن الالتزام هنا بفعلیّة تجتمع مع انحلال‏‎ ‎‏الخطاب القانونیّ إلیٰ الخطابات الجزئیّة الشخصیّة.‏

‏نعم، مع کون الأمر والنهی فعلیّین علیٰ أیّ تقدیر، لا یمکن النزاع إلاّ مع‏‎ ‎‏الالتزام بالخطابات القانونیّة، أو القول باعتبار المندوحة، فشرطیّة قید المندوحة فی‏‎ ‎‏عَرْض شرطیّة کون الخطابات قانونیّة، ولا وجه لترجیح أحدهما علی الآخر.‏

وإن شئت قلت:‏ مع الالتزام بقانونیّة الخطابات یتعیّن الاجتماع، فلا معنیٰ‏‎ ‎‏للنزاع بعد ذلک، فإلغاء قید المندوحة یساوق إلغاء النزاع؛ لأنّ أساس الشبهة تحت‏‎ ‎‏کیفیّة إمکان الأمر والنهی فی المجمع مع التلازم الأحیانیّ، وإذا صحّ ذلک ـ بناءً علیٰ‏‎ ‎‏قانونیّة الخطاب فلا تصل النوبة إلی اعتبار القید المزبور وعدمه، فتأمّل جدّاً.‏

‏ ‏

الوجه الرابع :

‏ ‏

‏أنّ اعتبار قید المندوحة یلازم الالتزام بالاجتماع، ویستلزم سقوط النزاع‏‎ ‎‏قهراً، فیکون مضرّاً؛ وذلک لأنّ البحث فی مسألة الاجتماع والامتناع، لا یدور حول‏‎ ‎
‎[[page 180]]‎‏أنّ الأحکام متضادّة أم لا، ولا یدور حول أنّ المحبوبیّة والمبغوضیّة متضادّة أم لا،‏‎ ‎‏ولا حول أنّ المصالح والمفاسد متباینات أم لا؛ ضرورة أنّ اجتماع هذه الاُمور إمّا‏‎ ‎‏غیر لازم، أو غیر مضرّ.‏

‏ولا یدور حول السرایة وعدمها، ولا حول الترکیب الاتحادیّ والانضمامیّ،‏‎ ‎‏کما عرفت مراراً‏‎[11]‎‏؛ لإمکان الالتزام بالامتناع مع القول بالانضمام وعدم السرایة.‏

‏بل أساس النزاع ومبدأ الخلاف والتشاحّ؛ هو أنّ فی المجمع یمکن المحافظة‏‎ ‎‏علیٰ إطلاق الأمر والنهی، وتکون الإرادتان: الآمریّة والزاجریّة، باقیتین فیه علیٰ‏‎ ‎‏قوّتهما، أم لا، وإذا کان المکلّف متمکّناً من الجمع بین الصلاة وترک الغصب، فلا‏‎ ‎‏معنیٰ للإشکال فی الإمکان المذکور؛ ضرورة وضوح جواز ترشّح الإرادتین حتّیٰ‏‎ ‎‏فی المجمع، فالنزاع یصحّ علیٰ تقدیر عدم وجود المندوحة فی البین.‏

وإن شئت قلت:‏إن کان وجه الامتناع أحد الاُمور المزبورة إجمالاً، فلا یضرّ‏‎ ‎‏قید المندوحة؛ لأنّ القائل بالامتناع یقول بتضادّ الأحکام، ومع وحدة المجمع یلزم‏‎ ‎‏الجمع بین الضدّین، وهکذا سائر التوهّمات، فإنّه عند ذلک لا ینفع ولا یضرّ، وأمّا إذا‏‎ ‎‏کان فساد هذه الاُمور واضحاً، فیضرّ القید المزبور.‏

وإن شئت قلت:‏ یلزم التفصیل، فلا یعتبر قید المندوحة علیٰ أساس الاُمور‏‎ ‎‏المشار إلیها، ویکون مضرّاً علی الأصل المذکور.‏

‏ ‏

الوجه الخامس :

‏ ‏

‏أنّ النزاع إن کان حیثیّاً، فلا حاجة إلیٰ قید المندوحة، وإن کان النزاع مطلقاً‏‎ ‎‏وفرض فعلیّة الأمر والنهی، فلا تعتبر المندوحة أیضاً وإن لم نقل بالخطابات‏‎ ‎‏القانونیّة؛ وذلک أنّ المبحوث عنه فی مسألة الاجتماع والامتناع: هو أنّ الأمر مع‏‎ ‎
‎[[page 181]]‎‏قطع النظر عن النهی یکون فعلیّاً علیٰ عنوانه، والنهی مع قطع النظر عن الأمر یکون‏‎ ‎‏فعلیّاً علیٰ عنوانه، وإنّما النزاع فی أنّهما معاً یبقیان علیٰ فعلیّتهما فی المجمع أم لا؟‏

‏ولا شبهة فی أنّ أمر الصلاة مع قطع النظر عن حرمة الغصب فعلیّ وبالعکس،‏‎ ‎‏فعلیه لا معنیٰ للتمسّک بأنّ الممتنع الشرعیّ کالممتنع العقلیّ‏‎[12]‎‏، حتّیٰ یعتبر قید‏‎ ‎‏المندوحة فی محطّ الخلاف؛ ضرورة أنّ المکلّف یتمکّن من امتثال أمر الصلاة مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن حرمة الغصب وبالعکس، فیکون الخلاف فی هذه الصورة وفی أنّهما‏‎ ‎‏یبقیان فی المجمع علیٰ حالهما من الفعلیة أم لا، فلا یعتبر المندوحة فی الفعلیّة‏‎ ‎‏المقصودة هنا.‏

‏نعم، إذا قلنا بالامتناع یقع التعارض بالعرض؛ سواء کانت المندوحة،‏‎ ‎‏أو لم تکن.‏

‏وإذا قلنا بالاجتماع، فإن کانت المندوحة فلا یقع التزاحم إلاّ علیٰ وجه‏‎ ‎‏أبدعناه فی إمکان التزاحم مع القدرة علی الجمع فی التزاحم بین أحد أطراف‏‎ ‎‏الواجب التخییریّ وبین الواجب التعیینیّ‏‎[13]‎‏.‏

‏وإن لم یکن مندوحة فیقع التزاحم، ویعالج المبتلی به بمعالجات باب‏‎ ‎‏التزاحم، فالمندوحة مفیدة فی نتیجة المسألة، لا فی النزاع وعدمه.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 182]]‎

  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 148 .
  • )) الفصول الغرویّة : 124 / السطر 32 ـ 33، فوائد الاُصول، المحقّق الخراسانی: 144، وقایة الأذهان: 333 ـ 334.
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 148 .
  • )) کفایة الاُصول : 187 .
  • )) نهایة الدرایة 2 : 297 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 113، تهذیب الاُصول 1 : 380.
  • )) الفصول الغرویّة: 125 / السطر 14، فوائد الاُصول، المحقّق الخراسانی: 144، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 148 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 25 ـ 27، تهذیب الاُصول 1 : 308 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 449 ـ 455 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 113، تهذیب الاُصول 1 : 380 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 147 و 164 و 174 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 442، لاحظ محاضرات فی اُصول الفقه 4 : 189 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 400 ـ 402 .

انتهای پیام /*