الرابع : هل الإرادة جزء أخیر من العلّة التامّة؟
قد اشتهر بین الاُصولیّین : «أنّ الإرادة هی الجزء الأخیر من العلّة التامّة».
والمشهور فی الکتب العقلیّة: «أنّ من مبادئ الفعل، القوّة المنبثّة فی العضلة القابلة للانعطاف، وذات استعداد للقبض والبسط، فإنّه کثیراً ما یتّفق أنّ الإنسان یرید تحریک یده، ولکنّها ـ لنومها، وغلبة الرطوبة علی المراکز المسلّطة علیها النفس بتوسّط الأرواح البخاریّة مثلاً فی الحیوانات التی لها الدم السیّال ـ تتأبّیٰ عن قبول الحرکة، وتتعصّیٰ عن الانقیاد، ولا تطیع الأمر الصادر من سلطان النفس ذات القدرة والملکوت، فلا علّیة للإرادة».
والذی هو الحقّ : أنّ القول بأنّها الجزء الأخیر من العلّة التامّة، لاینافی شرطیّة الإمکان الاستعدادیّ فی الآلة التی تفعل بها؛ لأنّها من قبیل شرطیّة إمکان الماهیّة
[[page 50]]فی قبول الإرادة الضروریّة الأزلیّة الإلهیّة؛ وذلک لأنّه فیما کان الشرط المذکور موجوداً، لیس بین الإرادة وحصول الحرکة، أمر آخر متوسّط یستند إلیه الحرکة استنادَ الفعل إلی الفاعل، بل الاستناد المزبور من قبیل استناد الفعل إلی القابل، فما هو المتصوّر والمصدّق به هی الحرکة، وماهو مورد القدرة والإرادة هی الحرکة، وتلک القوّة شرط تأثیر الإرادة.
فکون الإرادة الجزء الأخیر من العلّة التامّة أمر، وکونها مستتبعة للمراد مطلقاً أمر آخر، وماهو المصدّق هو الأوّل، دون الثانی، وبذلک یجمع مابین المشهورین عن الفریقین «وَالصُّلْحُ خَیْرٌ».
وبعبارة اُخریٰ : مادام الإنسان لم یتحقّق منه إرادة الفعل، یکون مختاراً فی الفعل والترک، فبمجرّد العلم والقدرة، لا یخرج الفعل عن الإمکان إلی الوجوب، ولا یکون الأمر خارجاً عن اختیاره، وهکذا فی إیجاد الإرادة، کما اُشیر إلیه، ویأتی فی التنبیه الآتی، ولکنّه بعد إیجادها لایتمکّن من التخلّف عن المراد، وإن یمکن أن لا یتحقّق المراد فی المحیط الذی أراد تحقّقه؛ لما عرفت من الشرط الآخر فی تحقّق الفعل.
فلایمکن نفی کون الإرادة الجزء الأخیر من العلّة التامّة؛ لأنّ العلّیة التامّة التی یتقیدها النفس وفی تحت قدرتها، هی الإرادة وبعض مبادئها أحیاناً، وماهو شرط التحقّق خارج عن القدرة والاختیار.
کما لا یمکن دعویٰ : أن الفعل یتحقّق بالإرادة ؛ لإمکان التفکیک ، فإنّه عند العلم بالقدرة علیٰ تحریک حجر ، تتمشّیٰ إرادة ذلک ، ولا تتحقّق الحرکة ؛ لثقلة ، فلاتخلط.
[[page 51]]ثمّ إنّ علّیة الإرادة وجزئیّتها للعلّة التامّة، تابعة لکیفیّة تعلّقها بالمراد، وهذا لاینافی ما ذکرناه، وعلیه بناء الواجب المعلّق فی الاُصول. وبه یندفع الإشکال المعروف فی المعقول: «من أنّ إرادة الربّ أزلیّة، فکیف یوجد المراد فیما لایزال؟!» والتفصیل فی محلّه.
[[page 52]]