المقصد الثانی فی الأوامر

التنبیه الثانی : الامتثال عقیب الامتثال

الفصل الرابع فیما یمکن تعلّقه بهیئة الأمر أو بمادّة صیغ الأوامر وفیه مقامات :

کد : 163009 | تاریخ : 30/09/1385

التنبیه الثانی : فی الامتثال عقیب الامتثال

‏ ‏

‏المشهور المعروف امتناع الامتثال عقیب الامتثال‏‎[1]‎‏، وفی «الکفایة»‏‎ ‎‏تفصیل‏‎[2]‎‏ لاینبغی أن یصغیٰ إلیه.‏

‏وجه الامتناع واضح؛ ضرورة أنّ معنیٰ أنّ الأمر متعلّق بالطبیعة، مع کون‏‎ ‎‏الغرض وجودها الصِرْف، سقوط الغرض والأمر بإتیانها، ومعنی الامتثال الثانی کون‏‎ ‎‏الغرض وجودها الساری، وهو خلف وتناقض. أو معناه تعدّد الأمر بلا ملاک. أو‏‎ ‎‏الامتثال بلا أمر، وهکذا ممّا لایمکن الالتزام به.‏

‏وأمّا تخیّل أنّ المولیٰ إذا أمر بإتیان الماء للوضوء والشرب، فاُریق الماء بعد‏‎ ‎‏الامتثال، فإنّه یجب علیه الامتثال ثانیاً؛ لبقاء الغرض‏‎[3]‎‏، فهو مخدوش من جهات‏‎ ‎‏عدیدة، لانحتاج إلیٰ رفع نقابها .‏

والذی هو التحقیق :‏ أنّ الامتثال متقوّم بالأمر، ولا معنیٰ لصدق الامتثال إذا‏‎ ‎‏کان غرض المولیٰ معلوماً؛ فإنّ وجوب القیام بالغرض المعلوم، لایکون ملازماً‏‎ ‎‏لصدق الطاعة والإطاعة والامتثال. ‏هذا أوّلاً.

‏وثانیاً :‏‏ لیس هذا الأمر المتعلّق بالطبیعة، ساقطاً بالامتثال؛ فإنّه لامعنیٰ‏‎ ‎‏للسقوط إلاّ إذا رجع إلیٰ قصور الأمر عن الباعثیّة لتمامیّة الغرض، وإلاّ فالأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بالطبیعة، باقٍ فی عالمه الإنشائیّ أبداً.‏


‎[[page 211]]‎وثالثاً :‏ الأغراض الموجبة لصدور الأمر مختلفة :‏

فمنها :‏ ماهی بسیطة غیر ذات مراتب، کما إذا تعلّق غرض المولیٰ بقتل زید‏‎ ‎‏وضربه، فإنّه عند تحقّق القتل والضرب لا غرض له باقٍ، وإن کان یمکن تصویره‏‎ ‎‏ثبوتاً، ولکنّه غیر باقٍ حسب المتعارف.‏

ومنها :‏ ماهی ذات مراتب، کغرضه المتعلّق بإکرام الفقیر والمسکین، فإنّ‏‎ ‎‏الأمر الصادر منه وإن کان ـ بلحاظ بعض الجهات الاُخر ـ غیر منحلّ إلی‏‎ ‎‏الأوامر؛ لکونه متعلّقاً بنفس الطبیعة، کما هو مفروض البحث، ولکنّه لایسقط‏‎ ‎‏الغرض بمجرّد إکرام الفقیر، فإنّه فی نفسه طالب لإکرامه بوجه أحسن مثلاً، فلا‏‎ ‎‏یسقط الغرض رأساً.‏

‏فإذا تبیّن لک هذه الاُمور، یتضّح لک: أنّ ما تعارف بین العقلاء من تبدیل‏‎ ‎‏المصداق بالمصداق الأحسن بعد الامتثال، لما له من الوجه العقلیّ أیضاً؛ ضرورة أنّا‏‎ ‎‏إذا راجعنا وجداننا، نجد جواز تبدیل الدرهم المغشوش بالدرهم الخالص، وأنّه‏‎ ‎‏بذلک یکون أقرب إلی مولاه فی القیام بوظیفته بالقطع والیقین، ولیس ذلک إلاّ لأنّ‏‎ ‎‏الامتثال لایستلزم سقوط الأمر، بل هو یستلزم سقوط الغرض الإلزامیّ، ولکنّ‏‎ ‎‏الأمر باقٍ بحاله.‏

‏هذا هو التقریب الذی لامنع من الالتزام به فی صلاة الجماعة.‏

‏ولکن بعد المراجعة لتلک الأدلّة، یظهر وجه آخر منها ذکرناه فی کتاب‏‎ ‎‏الصلاة‏‎[4]‎‏: وهو أنّ الاُمور الاعتباریّة بید من له الاعتبار؛ وبید المقنّن النافذ فی‏‎ ‎‏کلمته، فإذا فوّض الاُمور إلی المکلّفین، فیکون اعتبارهم نافذاً، والأمر فی الامتثال‏‎ ‎‏عقیب الامتثال من هذا القبیل، فإنّه إذا أتیٰ بصلاة الظهر، فهو بالخیار بین الإعادة؛‏‎ ‎
‎[[page 212]]‎‏وجعل ما أتیٰ به تسبیحاً، وبین اعتبار ما أتیٰ به فریضةً؛ فإنّ الأمر إذا کان کذلک فلا‏‎ ‎‏یحتاج فی الامتثال الثانی إلی الانحلال المفروض عدمه، بل له إعادة الأمر الساقط،‏‎ ‎‏وإتیان الفرد الآخر؛ لأنّ الغرض غیر ساقط، وإعادة الأمر اعتبار بید المکلّفین.‏

فتحصل :‏ أنّ هنا طریقین لتصویر الامتثال عقیب الامتثال:‏

أحدهما :‏ متفرّع علیٰ أنّ الأمرالأوّل لایسقط رأساً، بل الساقط غرض إلزامیّ.‏

ثانیهما :‏ أنّ الأمر الأوّل یسقط، ولکن للعبد اعتبار عوده؛ للإتیان بالمصداق‏‎ ‎‏الأتمّ.‏

‏ولو اُرید الامتثال عقیب الامتثال، مع وحدة الأمر شخصاً، وانعدامه بالامتثال‏‎ ‎‏الأوّل، فهو مستحیل. ولکنّه لیس مقصودهم، بل المتبادر من المنکرین؛ هو أنّ الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بالطبیعة یسقط، ولا یعقل له الوجود ثانیاً حتّیٰ یعتبر الامتثال مکرّراً، وأنت‏‎ ‎‏عرفت ما فیه‏‎[5]‎‏، فلا تخلط.‏

فبالجملة :‏ قد توهّم الأصحاب ـ رضوان الله تعالیٰ علیهم ـ سقوط الأمر،‏‎ ‎‏وامتناع عوده، فحکموا بامتناع الامتثال عقیب الامتثال؛ لأنّ معنی الامتثال عدم‏‎ ‎‏الأمر، ومعنی الامتثال عقیب الامتثال وجوده، وهو تناقض.‏

‏وأنت بعدما أحطت خبراً بما أشرنا إلیه، عرفت إمکانه، بل وقوعه فی‏‎ ‎‏الشریعة، کما هو صریح الأخبار فی المعادة‏‎[6]‎‏، ولذلک قوّینا أنّ الصلاة المعادة تکون‏‎ ‎‏علیٰ صفة الوجوب، کما هو المفتیٰ به فی کلام بعض فقهاء العصر‏‎[7]‎‏، فراجع.‏


‎[[page 213]]‎‏ثمّ إنّه غیر خفیّ : أنّ المقصود لیس إثبات إمکان الامتثال عقیب الامتثال فی‏‎ ‎‏جمیع الأوامر بل المقصود إثبات إمکانه فی الجملة.‏

وإن شئت قلت :‏ قضیّة الوجه الأوّل جواز الامتثال عقیب الامتثال، ومقتضی‏‎ ‎‏الثانی جواز تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر، فتدبّر.‏

إن قلت :‏ علی الوجه الأوّل یلزم الانحلال، وهو خلف.‏

قلت :‏ کلاّ؛ فإنّ الانحلال الخلف، هو انحلال التکلیف الوجوبیّ إلی التکالیف‏‎ ‎‏الکثیرة؛ حسب الأفراد والمصادیق، والتکلیف فیما نحن فیه لاینحلّ.‏

‏نعم، لایسقط باعثیّته؛ لبقاء الغرض غیر اللاّزم استیفاؤه. ولو استوفی فلایبقیٰ‏‎ ‎‏له الباعثیّة فی مرحلة الامتثال الثالث مثلاً، وهذا شاهد علیٰ عدم الانحلال.‏

‏ثمّ إنّ فی المسألة (إن قلت قلتات) ترجع إلیٰ مباحث الفقه، وتکون خارجة‏‎ ‎‏عن کبراها، ومن شاء فلیرجع إلیها.‏

‎ ‎

‎[[page 214]]‎

  • )) منتهی الاُصول 1 : 242 ، مناهج الوصول 1 : 304 ـ 305 ، محاضرات فی اُصول الفقه 2 : 225 .
  • )) کفایة الاُصول : 102 ـ 103 و107.
  • )) کفایة الاُصول : 103 .
  • )) لم نعثر علیه فی مباحث الصلاة الموجودة لدینا .
  • )) تقدّم فی الصفحة 211 ـ 212 .
  • )) وسائل الشیعة 8: 401 کتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54 .
  • )) لاحظ ما علّقه السیّد الحکیم رحمه الله علی العروة الوثقی: 284 ، (دار الکتب الإسلامیّة 1397) ومستمسک العروة الوثقی 7: 376.

انتهای پیام /*