المقام السادس
هل الأمر بالأمر بشیء أمر بذلک الشیء، أم لا؟
وکأنّ المسألة بحسب مقام الثبوت مفروغ عنها، واختلاف الأعلام فیها حول مقام الإثبات.
وأنت خبیر : بأنّ الأمر لیس إلاّ معنی إیجادیّاً؛ وبعثاً إنشائیّاً قائماً بالباعث والمحرّک قیاماً صدوریّاً، ولا یکون له مرحلتان: مرحلة الثبوت، والإثبات، بل الأمر تمام هویّته فی مرحلة الإثبات، فعلیه لا معنی لکون الأمر بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء بالضرورة.
وأمّا نقل أمر الغیر بألفاظ الحکایة، فهو لیس من الاستعمال الإیجادیّ أو الإنشاء الاعتباریّ، بل هو حکایة لما أوجده الباعث، فإذا قال الرسول: «قال الله تعالیٰ: افعل کذا» فإنّه وإن کان بحسب التکوین کلمة «افعل» صادرةً من الرسول، ولکن هی حکایة الأمر المسموع، وهو خارج عن هذه المسألة.
بل الکلام فی المقام حول ما إذا أنشأ المأمور الأوّل الأمرَ الثانی، وتصدّیٰ هو للبعث والتحریک بنفسه، وهذا واضح المنع جدّاً، فما تریٰ فی «الکفایة» من صحّته
[[page 253]]ثبوتاً، وفی غیرها من صحّته إثباتاً، من الغفلة قطعاً.
فتحصّل : أنّ الأمر الأوّل هیئته ومادّته غیر الأمر الثانی، فکیف یستند الأمر الثانی إلی الأمر الأوّل؟! هذا.
وتوهّم : أنّ صحّة عبادات الصبیّ، متقوّمة بکون الأمر بالأمر بشیء، أمراً بذلک الشیء، فاسد؛ لأنّ فی صحّتها یکفی العلم بالغرض والطلب، فإذا ورد مثلاً مخاطباً إلی الأولیاء: «مروا صبیانکم بالصلاة إذا کانوا بنی سبع سنین» فلایکون هذا أمراً بالصلاة من جنابه صلی الله علیه و آله وسلم قطعاً، ولکنّه یستفاد منه عرفاً أنّه ذو غرض فی ذلک، وطالب له، وإذا کان کذلک فیکون عباداته صحیحة، فلاینبغی الخلط بین عنوان المسألة، وبین ما هو المستفاد من الدلیل عرفاً.
وأمّا احتمال کون المصلحة فی أمر الأولیاء فقط، أو فی أمرهم والصلاة معاً، فهو وإن کان ممکناً عقلاً، إلاّ أنّه بعید عرفاً.
وهذا نظیر ما یستفاد من قوله تعالیٰ: «فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إنْ کُنْتُمْ لاٰتَعْلَمُونَ» فإنّه لایکون أمراً بالاتباع وترتیب الآثار بعد السؤال، ولکنّه معلوم منه لزوم ترتیب الأثر؛ وأنّه لابدّ من صحّة ما یترتّب علیه من الآثار، فإذا سأل أهلَ الذکر عن شیء فقال: «افعل کذا» یجب تبعیّة أمره؛ لما فیه ـ حسب الآیة ـ من المصلحة، ویکون صحیحاً شرعاً، من غیر کونه أمراً من الله تعالیٰ، أو الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم بذلک الشیء.
[[page 254]]ومن ذلک یعلم مواقف الخلط والاشتباه الواقع فی کلمات الاعلام قدس سرهم.
وربّما یخطر بالبال دعویٰ: أنّ مجرّد کون العبادة مأموراً بها، غیر کافٍ لصحّتها؛ لأنّ الأمر المصحّح لها هو الأمر الصادر بداعی الانبعاث، وأمّا الأمر الصادر بداعی الامتحان، فهو وإن کان عندنا أمراً، ولکنّه لایستلزم صحّتها، ولا قرینة علیٰ تعیین الأوّل، بل القرینة ـ بمناسبة المقام ـ تساعد علی الثانی، فلیتدبّر.
ثمّ إنّ من الممکن توهّم توقّف صحّة العبادة علی انبعاثهم عن بعث المولیٰ، لا بعث آبائهم، وعلیه لابدّ من کون الأمر الثانی إمّا أمر الآمر الأوّل، أو یکون أمراً إرشادیّاً، کأوامر الأنبیاء والرسل.
وفیه : أنّه فی باب الأمر بالمعروف یکون الأمر للآمر، ویکون الانبعاث عن الأمر الصادر من الآمر، ومع ذلک تکون العبادة صحیحة، وإلاّ یلزم کون الأمر بالمعروف أمراً بالمنکر، وهو خلف قطعاً، فیعلم من ذلک ما تقرّر منّا فی محلّه: من أنّ هذا النحو من الانبعاث لا یضرّ بصحّة العبادة، والتفصیل فی مقام آخر.
[[page 255]]
[[page 256]]