المقام السابع
فی الأمر بعد الأمر وقبل الامتثال
الأمر الواقع عقیب الأمر الآخر مع وحدة المادّة والمتعلّق، لایکون إلاّ مثل الأمر الأوّل استعمالاً وعلّة وغایة.
نعم، یعتبر بعد تحقّق الاستعمال أن یکون الثانی تأکیداً للأوّل، ولیس هذا إلاّ من قبیل التأکید فی الجمل التامّة الخبریّة أو الناقصة؛ بتکرار الموضوع فی «ضرب زید زید» ومنشأ اعتبار التأکید وحدة الإرادة الأصلیّة، ووحدة الغایة.
ودعویٰ : أنّ التأسیس أولیٰ من التأکید، فلابدّ من حمل إطلاق المادّة علی التقیید، بحیث یلزم منه تعدّد المتعلّق، فیقتضی تعدّد الامتثال، لیست من الاُصول العقلائیّة.
وغیر خفیّ : أنّ التأسیس بدون التقیید غیر ممکن؛ لأنّ الإرادة والحبّ والتصوّر والتصدیق بالفائدة ـ بحسب السنخ هنا ـ واحدة، فلو کان یمکن تعلّق الإرادتین التأسیسیّتین بشیء واحد، لأمکن تعلّق الحبّین والشوقین به، مع أنّه واضح المنع، فما هو من الإرادة سبب لوجوب الامتثال مثلاً، هی الإرادة الأصلیّة الموجبة
[[page 257]]لإرادة إصدار اللفظ والهیئة، ولإرادة اُخریٰ متعلّقة بإصدار اللفظ الآخر شخصاً، ولکنّه عین الأوّل سنخاً، وهذا الاختلاف الشخصیّ، لایستلزم تعدّد الإرادة الأصلیّة بالضرورة، فعلیه یعلم أنّ التقیید بلا دلیل.
وما فی «الکفایة» : «من أنّ إطلاق الهیئة یقتضی التأسیس» غیر واضح، بل الهیئة لا تورث إلاّ البعث والتحریک اعتباراً، من غیر کونها موضوعة لأمر آخر.
ولو اُرید من «الإطلاق» ما مضیٰ سابقاً ـ من أنّه عند الإطلاق یحمل علی النفسیّ العینیّ التعیینیّـ فهو یتمّ عند عدم القرینة علی الخلاف، وهی المسبوقیّة بالأمر الأوّل، فتأمّل جیّداً.
ثمّ إنّ فی المسألة شقوقاً اُخر لایهمّنا التعرّض لها، وإن یظهر من «الفصول» التردّد بین التأسیس والتأکید فی بعضها، والأمر بعد ذلک کلّه سهل، والله من وراء القصد.
فتحصّل : أنّ المسألة بحسب مقام الثبوت واضحة.
وتوهّم : أنّ تعدّد البعث کاشف عن تعدّد الإرادة ـ کما اُشیر إلیه ـ فی غیر محلّه؛ لأنّ منکشفه لیس إرادة أصلیّة، بل هی إرادات اُخر، کما فی باب المقدّمة.
وبحسب مقام الإثبات، لایمکن الالتزام بالتأکید إلاّ فی مواضع خاصّة، وإلاّ فیحمل علی التقیید؛ وأنّ المراد والمأمور به فی کلٍّ غیر الآخر. ولایشترط کون القید الوارد علی الطبیعة، عنواناً فی المأمور به، بل القید الذی یدرک لزومه ـ فراراً من الإشکال العقلیّ ـ هو القید المورث لکثرة المتعلّق وتعدّده.
[[page 258]]نعم، ربّما یستظهر أحیاناً فی بعض المواقف ذلک، کما إذا قال: «إن أجنبت اغتسل» ثمّ ورد فی دلیل آخر فی الأعصار المتأخّرة «إن أدرکت یوم الجمعة اغتسل» فإنّه لایمکن الالتزام بالتأکید، فلابدّ من التقیید، ویکون القید عنواناً عرفاً، فیشترط قصده حین الامتثال، ففیما إذا کان الأمر مثله، یکون المأمور به مقیّداً ومنوَّعاً، فلاتغفل.
ثمّ إنّ من الواضح امتناع الإرادتین التأسیسیّتین بشیء واحد، من شخص واحد، مع التوجّه والالتفات، وأمّا من الآمرین فیمکن ذلک، ویأتی حینئذٍ البحث عن التداخل وعدمه، والتداخل واضح جدّاً، کما اُشیر إلیه سابقاً فی بعض المباحث الماضیة. کما أنّه ممکن مع الغفلة.
ولکنّه لایستلزم الامتثال المتعدّد؛ لأنّ مدار تعدّد الامتثال علیٰ تعدّد الجهة المقتضیة لذلک الأمر، وکون تلک الجهة والغرض قریبةً، دون الجهة البعیدة، فلاتخلط.
فما یظهر من «الکفایة» : من أنّ مجرّد التعدّد التأسیسیّ، کافٍ لتعدّد الامتثال، فی غیر محلّه بالضرورة.
[[page 259]]
[[page 260]]