فیما یتعلّق بما جعله القوم عنواناً
وحیث ظنّوا أنّه العنوان الجامع لمباحث الإجزاء، ذکر «الفصول» : «أنّ الأمر بشیء إذا اُتی به علیٰ وجهه، هل یقتضی الإجزاء، أم لا؟
وحیث قیل علیه: «إنّ الأمر لایکون موضوعاً لأکثر من البعث إلی الطبیعة، والمادّة لأکثر من الطبیعة اللابشرط» عدل عنه الآخرون، وقالوا: «إنّ المسألة عقلیّة، لا لفظیّة» فعنونوا «أنّ إتیان المأمور به علیٰ وجهه، هل یقتضی الإجزاء، أم لا؟
وحیث إنّ الاقتضاء لیس من لوازم الإتیان؛ لا بنحو العلّیة، ولا بنحو الإعداد، وتکون النسبة مجازیّة، بل هو دلیل تمامیّة أمد الإرادة، وسقوط الغرض، عدل عنه
[[page 263]]المحقّق الوالد ـ مدّظلّه بإسقاط کلمة «الاقتضاء».
وحیث إنّ کلمة «علیٰ وجهه» من القیود المأخوذة فی کلمات القدماء، ولیس ما توهّمه «الکفایة» فی محلّه: «من أنّها تشیر إلی القیود المعتبرة فی المأمور به عقلاً، کقصد القربة فإنّه ـ علیٰ ما مرّ ـ یمتنع أخذه فیه»؛ ضرورة أنّ هذه الشبهة من زمن الشیخ الأعظم الأنصاریّ قدس سره، فتکون أجنبیّة عن هذا البحث بالمرّة، فلابدّ من حملها إمّا علی التوضیح، کما علیه الأکثر.
أو حملها علیٰ ما أفاده السیّد الاُستاذ البروجردیّ قدس سره: «من أنّها ربّما کانت زائدة فی العنوان؛ لأجل شبهة أوقعها القاضی عبد الجبّار فی الری من قبل الدیالمة: وهی أنّ من صلّیٰ مع الطهارة المستصحبة، ثمّ انکشف خلافه، یعید ولایجزی مع امتثاله الأمر الاستصحابیّ».
ووجه ردّه بتلک الزیادة کما أفاده: «هو أنّ المأمور به فی هذا المثال، لم یؤتَ به علیٰ وجهه؛ من جهة أنّ الطهارة الحدثیّة بوجودها الواقعیّ شرط».
وأنت خبیر : بأنّ الحمل الأوّل خلاف القاعدة، والثانی أوضح فساداً؛ لأنّه یلزم منه خروج مباحث الإجزاء التی هی الأهمّ، وتکون المسألة منحصرة بالبحث عن إجزاء المأمور به عن أمره المتعلّق به، الذی لا بحث فیه عند القوم، وعدّ من
[[page 264]]الضروریّات الأوّلیة.
والذی هو الأقرب علیٰ تقدیر صحّة العنوان المزبور: أنّ قید «علی وجهه» إشارة إلیٰ إتیان المأمور به علی الشرائط المعتبرة فیه حسب الأدلّة حین الإتیان، ولا نظر فی بحث الإجزاء إلی تلک المسألة الواضحة عندهم، بل نظرهم فی هذه المسألة إلیٰ إجزاء الأمر الاضطراریّ والظاهریّ عن الواقعیّ، فقید «علیٰ وجهه» یفید إخراج ما لا بحث فیه، ویورث ترکیز البحث فیما هو المهمّ فی مباحث المسألة، فلاتخلط.
أقول : لا شبهة فی لزوم کون العنوان الموضوع للبحث هنا، شاملاً للمباحث المختلفة التی تذکر تحته، وجامعاً لشتاتها، وهو هنا مشکل، بل ممنوع؛ وذلک لأنّ مباحث هذه المسألة ـ علی المعروف ـ ثلاثة، وعلیٰ ما هو الحقّ أربعة:
أحدها : البحث عن إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره؛ واقعیّـاً کان أو اضطراریّـاً ، أو ظاهریّـاً.
ثانیها : إجزاء الإتیان بالمأمور به الاضطراریّ عن الأمر الواقعیّ، علیٰ ما هو المعروف فی تعابیر القوم، أو عن المأمور به الواقعیّ، علیٰ ما فی بعض التعابیر الاُخر.
ثالثها : إجزاء الإتیان بالمأمور به الظاهریّ عن الأمر الواقعیّ، أو عن المأمور به الواقعیّ، علیٰ ما عرفت من الاختلاف فی التعبیرین.
رابعها : أنّ ترک المأمور به حسب الدلیل الظاهریّ، هل یورث الإجزاء؛ أی سقوط القضاء خارج الوقت، أم لا؟
مثلاً : لو أدّیٰ نظر المجتهد إلیٰ جواز ترک صلاة الکسوف، واستند إلیه المقلّد
[[page 265]]فترکها، ثمّ قلّد الآخر، وقال بوجوب القضاء، فهل علیه ذلک، أم هو مثل ترک جزء المأمور به مستنداً إلیٰ فتواه فی عدم لزوم الإعادة؟ وهکذا إذا ترک إعطاء الخمس والزکاة فی ظرفه؛ لأجل الدلیل، ثمّ بعد مضیّ سنوات تبدّل رأی المقلَّد مثلاً.
فبالجملة : الدلیل المقتضی لعدم وجوب الإعادة والقضاء عند التخلّف بالنسبة إلی الأجزاء والشرائط، هو بعینه یقتضی ذلک عند التخلّف عن الکلّ، کما یأتی من غیر فرق. ولعلّ الأصحاب یقولون بالإجزاء فی مسألة تبدّل رأی المجتهد؛ حتّیٰ فیما إذا ترک المأمور به مستنداً إلیٰ فتویٰ مجتهده، وسیأتی تحقیقه، فعلیٰ هذا لایعقل الجامع بین هذه المسائل بالضرورة.
وأمّا بناءً علیٰ کون مباحثه ثلاثة، فأیضاً یشکل تصویره؛ ضرورة أنّ مجرّد الإجمال فی العنوان ـ کما أفاده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه ـ غیر کافٍ؛ فإنّ قوله : «إتیان المأمور به علیٰ وجهه هل یجزی، أم لا؟» یشمل إتیان الصلاة والإجزاء عن الصوم، وإتیانَ المأمور به الواقعیّ والإجزاء عن الاضطراریّ، مع أنّه غیر مقصود بالبحث، فلابدّ من التقیید حتّیٰ یشمل المباحث الثلاثة، وعند ذلک یخرج البحث الأوّل.
ولو کان الإجمال کافیاً، فالأولیٰ جعل عنوان البحث کلمة «الإجزاء» من غیر إضافة شیء آخر إلیها؛ لعدم الحاجة عندهم إلیه، لکونه ضروریّاً، فینحصر التقیید بالمبحث الثانی والثالث، وهذا معنی عدم الجامع، فلاتغفل.
[[page 266]]