المقصد الثانی فی الأوامر

إیقاظ فی الفارق بین مسألة الإجزاء وغیرها

والکلام فیما یتعلّق به یتمّ فی ضمن مقدّمة ومواقف / الفصل الخامس فی الإجزاء

کد : 163028 | تاریخ : 11/09/1385

الموقف الأوّل 

فی أنّ الإجزاء عند الامتثال لیس قهریّاً

‏ ‏

‏المعروف والمشهور بین أبناء التحقیق: أنّ إتیان المأمور به علیٰ قیوده‏‎ ‎‏وشرائطه، علّة تامّة لسقوط الأمر وحصول الغرض‏‎[1]‎‏، فلا معنیٰ للبحث عن الإجزاء‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الأمر المتعلّق بذلک المأمور به، واقعیّاً کان، أو اضطراریّاً، أو ظاهریّاً.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ الأمر الداعی إلی الصلاة المائیّة، بعد الإتیان بها یسقط قطعاً،‏‎ ‎‏وهکذا ماهو الداعی إلی الترابیّة، أو الطهارة الاستصحابیّة الظاهریّة، فإنّه بمجرّد‏‎ ‎‏الإتیان بکلّ واحد منها، لایبقیٰ له أثر، ولا معنیٰ للتعبّد به ثانیاً وثالثاً، من غیر‏‎ ‎‏الحاجة إلی البرهان، فکما أنّ الامتثال عقیب الامتثال ممتـنع، کذلک تبدیل الامتثال‏‎ ‎‏بالامتثال الآخر ممتنع، والامتثال عقیب العصیان ـ مع فرض وحدة الأمر والطلب ـ‏‎ ‎‏ممتنع، وبالعکس.‏

‏وکلّ ذلک لملاک واحد؛ وهو أنّ مفهوم «الامتثال» و «العصیان» متقوّمان‏‎ ‎‏بالأمر، وحیث لا أمر لسقوطه، لایمکن أن یتحقّق أحد هذین المفهومین ثانیاً.‏

‏وأمّا سقوط الأمر بعد الامتثال فهو واضح؛ فإنّه کسقوط الإرادة فی الأفعال‏‎ ‎‏المباشریّة، فکما لایعقل بقاء الإرادة مع تحقّق المراد، لا یعقل بقاء الأمر مع تحقّق‏‎ ‎‏المأمور به علی الوجه المعتبر، ومع جامعیّته لما اعتبر فیه، وقد مرّ شطر من الکلام‏
‎[[page 268]]‎‏حول المقام فی مباحث المرّة والتکرار‏‎[2]‎‏، ولا نعیده. هذا ما عندهم.‏

‏وأمّا ما خطر ببال «الکفایة»‏‎[3]‎‏ فهو خروج عن البحث، کما فصّلناه فی‏‎ ‎‏السابق‏‎[4]‎‏، فلانطیله.‏

‏وأمّا ما عندنا ، فهو أنّ الامتثال لیس من الاُمور القهریّة، بل هو من الاُمور‏‎ ‎‏الاختیاریّة، کسائر الاختیاریّات، وقد شرحنا ذلک فی تلک المسألة مستوفیٰ.‏

‏وإجمال ما أقوله هنا : هو أنّ الأمر الصادر فی القوانین الکلّیة، لایسقط‏‎ ‎‏بامتثال المأمور؛ ضرورة أنّ ذلک بعث ـ بنحوٍ ـ إلی کلّی، ولایعقل سقوطه؛ بمعنی‏‎ ‎‏انخلاع المادّة عن الهیئة، وفناء الهیئة، فلابدّ أن یراد من «السقوط» سقوطه عن‏‎ ‎‏الباعثیّة ثانیاً بعد الإتیان بالمأمور به.‏

‏فإن کان الموجود فی الأدلّة نفس الدلیل الأوّل، فلا دلیل علیٰ بقاء الباعثیّة‏‎ ‎‏بنحو الباعثیّة الإلزامیّة، ولا الباعثیّة الاستحبابیّة والندبیّة؛ أی التی رخّص ترک‏‎ ‎‏متعلّقه فی النصّ مثلاً.‏

‏وأمّا إذا قام دلیل علیٰ بقاء الباعثیّة الاُولیٰ ـ أی الإلزامیّة ـ فیعلم منه تعدّد‏‎ ‎‏الأمر، ویکون خارجاً عن مفروض البحث؛ وهو وحدة الأمر.‏

‏وإن قام الدلیل علیٰ بقاء الأمر، مع ترخیص الترک، فلایکون الأمر الثانی غیر‏‎ ‎‏الأمر الأوّل؛ ضرورة أنّ وجه البقاء، عدم کون المأتیّ به مستوفیاً لتمام المصلحة،‏‎ ‎‏وحیث إنّ المصلحة الندبیّة باقیة، فیبقی الأمر الشخصیّ الأوّل، ویدعو إلیٰ متعلّقه مع‏‎ ‎‏الترخیص إلیٰ ترکه، کما تریٰ فی أخبار الصلاة المعادة، فالامتثال الثانی وإن کان‏‎ ‎‏یحتاج إلیٰ الأمر قطعاً، إلاّ أنّ الامتثال الأوّل لایورث سقوط الأمر؛ بمعنیٰ إعدامه،‏
‎[[page 269]]‎‏بل یورث سقوطه؛ بمعنیٰ قصور باعثیّته الإلزامیّة، فلاتخلط، واغتنم جدّاً.‏

فبالجملة :‏ إن اُرید من «الإجزاء» هنا؛ أنّ المأتیّ به الواجد للشرائط، سبب‏‎ ‎‏لسقوط الأمر عن الباعثیّة الإلزامیّة، فهو مسلّم، ولاریب فیه؛ للزوم الخلف‏‎ ‎‏والمناقضة، وغیر ذلک من التوالی الفاسدة.‏

‏وإن اُرید منه سقوط الأمر بالمرّة، وعدم بقاء داعویّته إلی الطبیعة ثانیاً وثالثاً‏‎ ‎‏بنحو الندب، فهو ممنوع، ولا نرید من «الامتثال عقیب الامتثال» إلاّ ذلک.‏

‏وهذا غیر تعدّد الأمر وانحلاله؛ ضرورة أنّ الأوامر الانحلالیّة تابعة للأغراض‏‎ ‎‏المختلفة فی الوجود، وفیما نحن فیه لایکون کذلک. وأیضاً فإنّ الانحلال فیها من‏‎ ‎‏أوّل الأمر، فلاینبغی الخلط جدّاً.‏

‏وما قیل أو یمکن أن یقال فی بحث الصلاة المعادة من الاحتمالات والوجوه،‏‎ ‎‏کلّها بعیدة عن الصواب، وتفصیله فی محالّه.‏

‏ثمّ إنّ الأولیٰ والأحسن فی هذه المسألة وجه آخر أبدعناه، وذکرناه سابقاً‏‎[5]‎‏.‏

وإجماله :‏ أنّ السقوط کما عرفت؛ بمعنیٰ عدم بقاء الأمر علیٰ صفة الباعثیّة،‏‎ ‎‏وهذه الصفة کما تزول بإیجاد المأمور به خارجاً، تعود بإعدام ذلک الفرد واقعاً،‏‎ ‎‏أو فی الاعتبار.‏

مثلاً :‏ إذا قال المولیٰ: «تصدّق بدرهم» فإعطاء الدرهم یورث سقوط باعثیّة‏‎ ‎‏الأمر، ولکنّه إذا تمکّن من إعدام ذلک الإعطاء واقعاً؛ بتعقّبه بالمنّ والأذیٰ، أو‏‎ ‎‏اعتباراً، تعود تلک الصفة؛ لأنّ معنی الإعدام عدم تحقّق الامتثال.‏

‏فإذا ورد فی الشریعة: ‏«یجعلها الفریضة»‎[6]‎‏ وورود ‏«وإن شئت فصلّ معهم‎ ‎
‎[[page 270]]‎واجعلها تسبیحاً»‎[7]‎‏ فیعلم أنّ ذلک فی اختیار العبد، فإذا جعل ما أتیٰ به أوّلاً تسبیحاً‏‎ ‎‏فکأنّه ما صلّی بعد، فعلیه إعادته وجوباً.‏

فبالجملة :‏ الإجزاء ـ بمعنیٰ عدم وجوب الإعادة والقضاء، وبمعنی عدم التعبّد‏‎ ‎‏ثانیاً، مع قطع النظر عن الدلیل الآخر ـ قطعیّ، وبمعنی امتناع بقاء الأمر الواحد‏‎ ‎‏الشخصیّ، أو بمعنی امتناع إعدام الامتثال الأوّل حتّیٰ یوجد محلّ للامتثال الثانی‏‎ ‎‏ممنوع، بل هو واقع.‏

‏فما اشتهر: «من أنّ الامتثال والإجزاء أمر قهریّ غیر اختیاریّ»‏‎[8]‎‏ صحیح؛‏‎ ‎‏بمعنیٰ أنّ ذلک یؤدّی إلیٰ سقوط الباعثیّة الإلزامیّة مثلاً فی التکالیف الإلزامیّة، أو‏‎ ‎‏سقوط الباعثیّة بالنسبة إلی المصلحة الملزمة، أو المصلحة الأهمّ. وهذا لایستلزم‏‎ ‎‏سقوط أصل باعثیّته إذا قامت القرینة علیه؛ ضرورة أنّ أوصاف الباعثیّة ـ من الإلزام‏‎ ‎‏والندب ـ مستفادة من القرائن الخارجیّة، ولا تستعمل الهیئة إلاّ فیما هو موضوعها؛‏‎ ‎‏وهو التحریک الاعتباریّ.‏

‏وغیر صحیح؛ بمعنیٰ إمکان الامتثال عقیب الامتثال، وإمکان تبدیله بالآخر‏‎ ‎‏وهکذا، مع اعتبار الوحدة فی الأمر فیما إذا أتیٰ به، ثمّ أعدم وأفنیٰ فی الاعتبار ما‏‎ ‎‏أتیٰ به، وهذا هو المقصود فی الباب.‏

‏وأمّا لو اُرید من تصویر الامتثال عقیب الامتثال وغیر ذلک، تصویره بدون‏‎ ‎‏الأمر، فهو غیر ممکن، وغیر مقصود، کما ذکرنا تفصیله فی مباحث المرّة‏‎ ‎‏والتکرار‏‎[9]‎‏.‏


‎[[page 271]]‎‏ثمّ إنّ المراجعة إلیٰ أخبار الجماعة، والصلاة المعادة‏‎[10]‎‏، وإلیٰ ما ورد فی‏‎ ‎‏صلاة الآیات‏‎[11]‎‏، یورث الاطمئنان بأنّ کلّ واحدة من الطریقتین اللّتین أشرنا إلیهما،‏‎ ‎‏قابلة لحمل المآثیر علیها. ولکن قضیّة ما ورد فی المعادة أنّ الثانیة هی المرادة،‏‎ ‎‏وقضیّة ما ورد فی الکسوف أنّ الاُولیٰ مرادة، والله العالم، فلاحظ وتدبّر جیّداً.‏

‏وربّما یخطر بالبال دعویٰ : أن الإعادة لایناسب إلاّ مع اعتبار إعدام المأتی به‏‎ ‎‏فی الرتبة السابقة کما لایخفیٰ.‏

‏ثمّ إنّ مقتضی الطریقة الاُولیٰ أنّ المعادة مستحبّة، والأمرَ الأوّلی والإنشاء‏‎ ‎‏الابتدائیّ باقٍ علیٰ نعت الندبیّة؛ لقیام القرینة، وقضیّة الطریقة الثانیة أنّ المعادة تنویٰ‏‎ ‎‏وجوباً، وعلیه فتویٰ بعض المعاصرین‏‎[12]‎‏.‏

إن قلت :‏ بناءً علی الأخیرة ـ وهی الأوفق بالأدلّة ـ یلزم وجوب المعادة إذا‏‎ ‎‏اعتبر عدم الامتثال الأوّل؛ بجعله تسبیحاً وغیر صلاة، والالتزام بذلک مشکل جدّاً.‏

قلت :‏ لا دلیل علیٰ نفوذ إعدامه وتبدیل الصلاة تسبیحاً إلاّ إذا تعقّبه ـ بحسب‏‎ ‎‏الواقع ـ الصلاة المعادة، فإن اعتبره تسبیحاً، ثمّ ترک المعادة، یعلم أنّه لیس تنقلب‏‎ ‎‏صلاته بذلک لا صلاة، حتّیٰ یجب علیه الإعادة.‏

إن قلت :‏ اعتبار الانقلاب یستلزم انعدام الأمر؛ لأنّ ماهو المنقلب هی الصلاة‏‎ ‎‏بقصد الوجوب والمأمور بها، فإذا انقلبت انعدم الأمر؛ للتضایف والملازمة.‏

قلت :‏ قد مضیٰ أنّ الامتثال لا یورث سقوط الأمر، ولا یوصف المأتیّ به‏
‎[[page 272]]‎‏بالمأمور به بالوصف الخارجیّ، بل معنی السقوط هو سقوط الباعثیّة، وهو یجامع‏‎ ‎‏بقاء الأمر الإنشائیّ الذی لا روح له؛ لسقوط الغرض المستلزم لسقوط الإرادة،‏‎ ‎‏ولکنّه إذا اعتبر تبدیل الامتثال وجعله تسبیحاً، فلابدّ أن یعود الغرض، وتعود‏‎ ‎‏الإرادة، ویکون الإنشاء باعثه.‏

‏هذا مع أنّ فی سقوط الغرض بنحو کلّی لا الإرادة، إشکالاً اُشیر إلیه فی‏‎ ‎‏الطریقة الاُولیٰ.‏

‏ولعمری، إنّ من تدبّر فیما أسمعناکم، لایحصل له إلاّ الاطمئنان بأنّ ظاهر‏‎ ‎‏أخبار المسألة ذلک. وفی المسألة (إن قلت قلتات) ترجع إلیٰ جهات فقهیّة خارجة‏‎ ‎‏عن هذه المسألة، ومن شاء فلیرجع هناک.‏

‏والذی هو المقصود بالبحث: أنّ ما اشتهر فی هذه المسألة، وکان مفروغاً عنه‏‎ ‎‏عند الکلّ، مخدوش جدّاً.‏

‎ ‎

‎[[page 273]]‎

  • )) کفایة الاُصول: 107، نهایة الدرایة 1: 373، نهایة الأفکار 1: 224، تهذیب الاُصول 1: 181 ـ 182.
  • )) تقدّم فی الصفحة 203 ـ 205 .
  • )) لاحظ نهایة الاُصول: 124.
  • )) تقدّم فی الصفحة 208 ـ 211 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 211 و 213 .
  • )) وسائل الشیعة 8: 401، کتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54 ، الحدیث 1.
  • )) وسائل الشیعة 8 : 403، کتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54 ، الحدیث 8 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1: 242، منتهی الاُصول 1 : 242 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 211 .
  • )) وسائل الشیعة 8: 401 ـ 403 کتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54 .
  • )) وسائل الشیعة 7: 498 کتاب الصلاة، أبواب صلاة الکسوف والآیات، الباب 8 .
  • )) لاحظ ما علّقه السیّد الحکیم رحمه الله علی العروة الوثقی : 284 کتاب الصلاة، (دار الکتب الإسلامیّة 1397) ، مستمسک العروة الوثقی 7 : 376 .

انتهای پیام /*