الموقف الرابع
حول الإجزاء عند ترک المأمور به حسب الدلیل الظاهری
لو اتکل علیٰ أمارة أو أصل فی ترک الطبیعة الموقّتة، ثمّ تبیّن بعد مضیّ الوقت وجوبها فیه، فهل یجب القضاء بعد ثبوت الدلیل علیه، أم لا؛ لأنّ الترک المستند إلیه، کاشف عن رفع الید عنها عند التخلّف؟
مثلاً : إذا قلنا حسب الدلیل الاجتهادیّ أو البراءة الشرعیّة: بعدم وجوب صلاة الکسوف، ثمّ تبیّن بعد ذلک وجوبها فی الوقت، والقضاء خارج الوقت، وکان لدلیل القضاء إطلاق، ولکنّه لیس نصّاً فی ذلک، فهل یجب القضاء، أم لا؟ وجهان.
ویوجّه الثانی: بأنّ الترک المستند إلی الدلیل، مع ملاحظة إمضاء الشرع الطرقَ، وتأسیسِ أصالة البراءة الظاهرة فی رفع الید ورفع ما لا یعلم ادعاءً؛ بحسب جمیع آثاره، شواهد علیٰ عدم وجوب تلک الصلاة علیٰ هذا المکلّف. نعم لو ترکها عمداً فی وقتها فعلیه القضاء.
وبالجملة : قضیّة ما سلف منّا هو الإجزاء أیضاً، وهذا هو الإجزاء بالمعنی الأعمّ؛ أی یسقط التکلیف الأوّلی. وبعبارة اُخریٰ یکشف عدم ثبوته بالنسبة إلیه.
ولعمری، إنّ من یلتزم بالإجزاء فی المسألة الثالثة، لابدّ وأن یلتزم به هنا؛ لاتحاد الملاک والمناط. وهکذا إذا استند إلی الاستصحاب فی بقاء شعبان، ثمّ تبیّن أنّه من رمضان، أو استند إلیه فی بقاء الوقت، فترک الصلاة بظنّ سعة الوقت، ثمّ تبیّن خروجه، وهکذا.
نعم، فیما إذا علمنا من الخارج أهمیّة الواجب؛ وأنّ الشرع لاینصرف
[[page 346]]ولایتجاوز عنه، فعلیه التدارک خارج الوقت، کما عرفت تفصیله.
ثمّ إنّ مقتضی الاُصول العملیّة عند الشکّ هی البراءة؛ لأنّ القضاء بالأمر الجدید، وموضوعها «الفوت» وهو غیر محرز؛ ضرورة أنّ الفوت فرع وجود التکلیف، ومع التجاوز عن التکلیف لا فوت.
اللهمّ إلاّ أن یقال: قضیّة إطلاق دلیل الواقع، بطلان ما أتیٰ به، فعلیه القضاء.
إن قلت : التجاوز عن التکلیف لأجل المزاحمة مع مصلحة التسهیل، لایورث قصوراً فی مصلحة الواجب، فلو تخلّف وترکه یصحّ إیجاب القضاء علیه؛ لصدق «الفوت».
قلت : هذا بحسب التصوّر والثبوت، ومن المحتمل دخالة عدم المزاحمة مع مصلحة التسهیل فی مطلوبیّة العبادة مثلاً، فلایمکن کشف مطلوبیّة المادّة بعد سقوط الهیئة لأجل المزاحمة.
فتحصّل : أنّ الإجزاء فی الواجبات الموقّتة ـ بمعنیٰ عدم وجوبها عند الاستناد فی ترکها إلیٰ سبب شرعیّ ـ متعیّن.
ویمکن دعویٰ عدم سقوط الهیئة، إلاّ أنّ الشرع یرفع الید عن إیجاب القضاء علیٰ مثله بمقتضیٰ تسبیبه إلی الترک، فیکون فی فسحة من التکلیف؛ منَّة علیه، فاغتنم وتدبّر.
[[page 347]]