الجهة الرابعة : حول مختار السیّد الاُستاذ البروجردیّ فی البحث عن الواحد الجامع بین الجمل
بناء المتأخّرین علی البحث المستقلّ عن کلّ واحدة من الجمل التی یمکن أن تکون ذات مفهوم، کالشرطیّة، والوصفیّة، والاستثناء وغیرها، وبناء السیّد الاُستاذ البروجردیّ علی البحث الواحد الجامع المشتمل علیٰ جمیع البحوث.
وقال حول مرامه: إنّ أخذ القید فی الکلام، لابدّ وأن یکون لغرض الإفادة، وإنّ المقصود هو دخالة القید فی موضوعیّة الحکم، وإلاّ یکون لغواً، فإذا قال المولیٰ: «إن کان الماء قدر کرّ لاینجّسه شیء» یعلم ـ حسب البناءات العقلائیّة القائمة أوّلاً علیٰ أصالة الحقیقة وأصالة الجدّ ـ أنّ قید الکرّیة دخیل فی عدم تنجّس الماء، ولایکون الماء القلیل موضوعاً لعدم التنجّس، فیکون دلیلاً علی ابن أبی عقیل ولو کان القلیل لا یتنجّس لکان أخذ القید المزبور لغواً وزائداً، وهو خلاف بناء العقلاء وفهمهم بالضرورة.
ثمّ قدس سره بعدما أفاد ذلک بما لا حاجة إلیه من الإطالة فی هذه المقالة قال: «بناءً علیٰ هذا لایمکن الالتزام بالانتفاء عند الانتفاء الذی هو مسلک المتأخّرین فی باب المفاهیم من إثبات العلّیة المنحصرة، فإنّه لا مانع من کون الخصوصیّات الاُخر
[[page 14]]دخیلة فی عدم تنجّس الماء، کالمطریّة والجریان».
فما یثبت عنده قدس سره بالمفهوم إثبات حکم التنجّس للقلیل، دون سائر المیاه ذات الخصوصیّة، وبذلک یظهر أنّ کلّ قید یکون مأخوذاً فی الکلام، حکمه مثل الشرط، من غیر إفادته الانتفاء عند الانتفاء؛ لأنّ الفرار من اللغویّة یحصل بکون القید دخیلاً وإن لم یکن علّة منحصرة، انتهیٰ بتحریر منّا.
أقول : قد عرفت فی الجهة السابقة؛ أنّ انتفاء شخص الحکم قطعیّ عند المخالف والمؤالف، وماهو مورد النزاع هو انتفاء سنخ الحکم، وبناءً علیٰ هذا تصیر نتیجة ما سلکه رحمه الله: أنّ بعد ثبوت قیدیّة القید المأخوذ فی الکلام، أنّ الحکم المذکور فی القضیّة الملفوظة منتفٍ عند انتفاء القید، فلایکون القلیل موضوعاً للحکم، وهذا ممّا لا خلاف فیه، وماهو مورد الخلاف هو نفی إمکان تنجّس الماء المتخصّص بخصوصیّة اُخریٰ.
وبعبارة اُخریٰ: یعتبر فی النزاع المحرّر بین الأعلام کون المسألة المتنازع فیها، قابلةً لأن یذهب جمع إلیٰ أحد طرفی المسألة، وجمع آخر إلیٰ طرفها الآخر، وإلاّ فلا ثمرة فی طرحها.
مع لزوم کون العلم غیر متناهٍ من مسائله الوفاقیّة والخلاقیّة.
وما أفاده قدس سره ممّا لایمکن أن یذهب أحد إلی المفهوم؛ وهو الانتفاء عند الانتفاء، ولا إلیٰ عدم المفهوم؛ وهو عدم ثبوت حکم التنجّس للماء القلیل.
وإن شئت قلت : ما جعله محوراً للکلام أمره دائر بین أمرین :
أحدهما : أن یکون النزاع فی الانتفاء عند الانتفاء ، وهو نزاع لایذهب إلیٰ
[[page 15]]تصدیقه أحد، ویکون الکلّ منکراً لذلک.
ثانیهما : أن یکون النزاع فی احتمال ثبوت شخص الحکم للماء القلیل بإلغاء قید الکرّیة؛ بدعویٰ أنّه قید جیء به فی الکلام لبعض الجهات الاُخر من التوطئة وغیرها، أو لأجل کونه فی کلام السائل، أو لکثرة الابتلاء به، أو لأنّه قید ندبیّ، وکلّ ذلک مرمیّ بالاُصول العقلائیّة، ولایذهب إلیٰ خلافه أحد.
هذا مع أنّ النزاع الثانی لو کان یذهب إلیٰ طرفه الآخر شخص، ولکنّه لایضرّ بالنزاع الذی حرّره المتأخّرون، فیکون هناک نزاعان: نزاع فی أنّ للقید یثبت أصل المدخلیّة، أم لا.
وعلیٰ تقدیر ثبوت المدخلیّة، تکون المدخلیّة علیٰ وجه العلّیة المنحصرة، أم لا.
ویترتّب علی الأوّل تنجّس القلیل وعدمه، وعلی الثانی تنجّس الجاری وعدمه.
ولایجوز الاقتصار والاختصار علیٰ ما تنازع فیه المتقدّمون، وصرف العمر فیما جعلوه محور کلامهم فقط، ولاسیّما إذا کان قلیل الجدویٰ ، وبدویّ النظر، وقد مرّ منّا مراراً: أنّ للمتأخّرین أن ینظروا فیما یصحّ أن یکون مصبّاً للنزاع، ویکون مفیداً فی الفقه؛ سواء نازعوا فیه ، أم لم ینازعوا، فضلاً عمّا إذا تشاحّوا فیما لایرجع إلیٰ محصّل عند المتأخّرین، فلاحظ وتدبّر واغتنم.
وبالجملة : تحصّل من مجموع ما ذکرناه نقداً علیه قدس سره اُمور :
الأوّل : لابأس بأن یتنازع فی الأمرین:
النزاع فی دخالة القید فی موضوع الحکم وعدمها، ویترتّب علیه فی المثال المزبور انفعال القلیل وعدمه.
والنزاع فی أنّ القید المذکور علّة منحصرة؛ والموضوع المأخوذ فی الدلیل
[[page 16]]تمام الموضوع، ولا موضوع آخر للحکم المذکور فیه بشخصه، ولا بسنخه، ویترتّب علیه اشتراط الکرّیة فی الماء الجاری، کما عن العلاّمة رحمه الله وعدمه.
الثانی : لا معنیٰ للنزاع الأوّل بعد ذهاب الکلّ إلیٰ أصل الدخالة؛ فراراً من اللغویّة. وذهابُ مثل ابن أبی عقیل إلیٰ عدم انفعال الماء القلیل، لیس مستنداً إلیٰ إنکار ذلک المفهوم، بل مستند إلی الأدلّة الخاصّة.
الثالث : لیس إثبات نجاسة القلیل بعد الاعتراف بدخالة القید، من ثمرات القول بالمفهوم، بل هو مقتضی الاعتراف المذکور عقلاً؛ ضرورة انتفاء شخص الحکم بانتفاء القید، فلابدّ وأن لایتنجّس القلیل، فتأمّل.
الرابع : النسبة التی ادّعاها غیر واضحة، وقد استظهر السیّد المحقّق الوالد ـ مدّ ظلّه ـ من کلام السیّد رحمه الله خلاف ما نسبه إلیه .
إذا تبیّنت هذه الجهات، وعلمت أنّ البحث لابدّ وأن یکون حول القضایا الخاصّة فی الفصول المختلفة؛ لاختلاف القضایا حسب الأنظار فی إفادة الانتفاء عند الانتفاء، واختلافها فی الظهور والدلالة، فنقول: الکلام حول المسألة فی المقام یتمّ فی مباحث:
[[page 17]]
[[page 18]]