المقصد الرابع فی المفاهیـم

التنبیه الأوّل : حول الإشکال فی مفهوم طائفة من القضایا الشرطیّة

کد : 163079 | تاریخ : 13/12/1385

التنبیه الأوّل : حول الإشکال فی مفهوم طائفة من القضایا الشرطیّة

‏ ‏

‏لاشبهة فیعدم المفهوم للقضایا الشرطیّة التییکون مفاد الجملة والخصوصیّة‏‎ ‎‏المأخوذة فیها انتفاء الحکم بانتفاء الموضوع، کآیة النبأ‏‎[1]‎‏، وآیة التحصّن‏‎[2]‎‏ علیٰ‏‎ ‎‏إشکال فیها، وقولِک: «إن کان زید موجوداً فأکرمه» فإنّه ینتفی الحکم فی ناحیة‏‎ ‎‏المفهوم بانتفاء الموضوع، وفی المثل المعروف «إن رزقت ولداً فاختنه».‏


‎[[page 42]]‎‏وأمّا إذا کان المحمول فی سنخ هذه القضایا ثابتاً لموضوع آخر، کما إذا ورد‏‎ ‎‏«إن رزقت ولداً فأکرم زیداً» فإنّه یثبت له المفهوم علی القول به؛ لإمکان اقتضاء‏‎ ‎‏الخصوصیّة الاُخریٰ لوجوب إکرام زید، کما هو الواضح.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ صحّة هذه القضایا استعمالاً دلیل علیٰ أنّ المفهوم لیس مفاد‏‎ ‎‏أداة الشرط والهیئة وضعاً، وإلاّ یلزم المجازیّة أو تعدّد الوضع، والکلّ غیر تامّ، فافهم‏‎ ‎‏واغتنم.‏

‏ولاشبهة فی ثبوت المفهوم علی القول به، فی القضایا الشرطیّة التی یکون‏‎ ‎‏مفاد التالی معنی کلّیاً، کقولک: «إذا افترق البائعان فالبیع لازم» ضرورة أنّ طبیعة‏‎ ‎‏اللزوم ذات أفراد کثیرة، والقضیّة الشرطیّة متکفّلة بمنطوقها لإثبات فرد من لزوم‏‎ ‎‏البیع عند الافتراق، وبمفهومها تتکفّل لنفی الفرد الآخر من تلک الطبیعة عن سائر‏‎ ‎‏الخصوصیّات والمقتضیات.‏

‏وهذا هو المراد من سنخ الحکم المنفیّ بالمفهوم؛ أی فرد مماثل للفرد الثابت‏‎ ‎‏فی المنطوق، المندرج تحت طبیعة کلّیة استعمالیّة فی ناحیة المنطوق.‏

‏وإنّما الإشکال فی طائفة من القضایا الشرطیّة، نشیر إلیها علیٰ سبیل‏‎ ‎‏الإجمال:‏

الاُولیٰ :‏ قال سیّدنا الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏ : القضیّة الشرطیّة علیٰ قسمین؛‏‎ ‎‏الأوّل: ما کان مقدّمها بمنزلة الموضوع، وتالیها بمنزلة المحمول، فکأنّها قضیّة حملیّة‏‎ ‎‏ذکرت بصورة الشرطیّة، وذلک کقول الطبیب مثلاً للمریض: «إن شربت الدواء‏‎ ‎‏الفلانیّ انقطع مرضک» فإنّه بمنزلة أن یقول: «شرب الدواء الفلانیّ قاطع لمرضک»‏‎ ‎‏وکقول المنجّم: «إن کان زحل فی الدرجة الکذائیّة رخصت الأسعار» مثلاً ونحو‏‎ ‎‏ذلک، فهذا القسم من الشرطیّات التیمفادها الحملیّات لامفهوم لها‏‎[3]‎‏، انتهیٰ ما أردناه.‏


‎[[page 43]]‎أقول أوّلاً :‏ إنّ القضایا الشرطیّة فی وجهٍ، مفادها مفاد الحملیّات بلا فرق بین‏‎ ‎‏صنوفها، بل اختاره العلاّمة النائینیّ ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ وقد فرغنا من فساد ذلک بما لا مزید علیه،‏‎ ‎‏وفی وجهٍ کلّها قضایا شرطیّة مقابل الحملیّات، ومن أقسام القضایا المعتبرة فی‏‎ ‎‏العلوم بلا رجوع إلیٰ غیرها.‏

وثانیاً :‏ لو ثبت المفهوم فی القضیّة الشرطیّة وهو قولک: «إن جاء زید یجب‏‎ ‎‏إکرامه» فهو ثابت فی هذه القضایا؛ لجریان جمیع التقاریب المنتهیة إلیه فیها‏‎ ‎‏بالضرورة، ضرورة إمکان انقطاع مرضه بخصوصیّة اُخریٰ وبالتداوی الآخر غیر‏‎ ‎‏الشرب، فإن کان لها المفهوم فیدلّ علیٰ أنّ انقطاع مرضه مخصوص بهذا الشرب،‏‎ ‎‏وإلاّ فلایدلّ علی الاختصاص بتلک الخصوصیّة.‏

الثانیة :‏ اتفقوا علی القول بالمفهوم للقضیّة الشرطیّة الشرعیّة التی کان التالی‏‎ ‎‏متضمّناً للحکم الکلّی، کقولک: «إن جاء زید یجب إکرامه».‏

‏واختلفوا فیما إذا اُنشئ وجوب الإکرام بالهیئة‏‎[5]‎‏، والمنکر یقول: إنّ المنشأ‏‎ ‎‏بها لیس إلاّ مصداقاً جزئیّاً غیر مشتمل علی الفرد الآخر حتّیٰ ینتفی به.‏

‏وهذا نظیر ما إذا قال: «إن جاءک زید» ثمّ أشار بالإشارة الخارجیّة إلیٰ ضربه‏‎ ‎‏مثلاً، فإنّه لا معنیٰ لأن یقال: مفهوم هذه القضیّة هو أنّه إن لم یجئ فلا تضربه؛ لأنّه لم‏‎ ‎‏ینشئ معنی قابلاً للثبوت فی ناحیة المنطوق، وللانتفاء فی ناحیة المفهوم؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ ما کان شأنه ذلک لابدّ وأن یکون کلّیّاً حتّیٰ یثبت فی ناحیة المنطوق، وینتفی فی‏‎ ‎‏ناحیة المفهوم، ویکون الانتفاء بالمفهوم لا لأجل انتفاء شخص الحکم، فإنّه لیس‏
‎[[page 44]]‎‏مقصود المثبتین، فلاحظ وتدبّر.‏

‏ولأجل هذه العویصة قیل: «ثبوت المفهوم هنا وعدمه، دائر مدار کون‏‎ ‎‏الموضوع له فی الهیئات عامّاً أو خاصّاً، فإن کان عامّاً فلا بأس به، وإن کان خاصّاً‏‎ ‎‏فلایمکن إثباته»‏‎[6]‎‏ وحیث إنّ «الکفایة»‏‎[7]‎‏ والعلاّمة الأراکیّ‏‎[8]‎‏ ذهبا إلی العموم فی‏‎ ‎‏ناحیة الوضع والموضوع له، نجیا من هذه المهلکة.‏

‏وربّما ینسب‏‎[9]‎‏ إلی العلاّمة المحشّی؛ الشیخ محمّد تقیّ ‏‏قدس سره‏‎[10]‎‏ أنّ فی ناحیة‏‎ ‎‏المفهوم ینتفی شخص الحکم أیضاً، ولکنّه ممنوع؛ لما یظهر من الرجوع إلی کلام‏‎ ‎‏العلاّمة جدّی الفاضل فی حواشّیه علی «الدرر» خلافه‏‎[11]‎‏، فراجع.‏

‏والذی یهمّ بالبحث أوّلاً: أنّ المنشأ بمادّة الوجوب والتحریم شخصیّ وجزئیّ‏‎ ‎‏بحسب الإرادة الجدّیة، وإن کان اللفظ بحسب الإرادة الاستعمالیّة مستعملاً فی‏‎ ‎‏المعنی الکلّی، إلاّ أنّ المناط هو الأوّل دون الثانی، فلایختصّ الإشکال بالصورة‏‎ ‎‏المذکورة.‏

وثانیاً :‏ أنّ الأوامر والنواهی الواردة فی کلمات المعصومین لیست تشریعیّات‏‎ ‎‏حقیقة؛ لما أنّ المشرّع الحقیقیّ هو الله تعالیٰ، فتکون هذه الأوامر غیر مولویّة، بل‏‎ ‎‏هی حاکیات لأحکام الله الثابتة، فوزانها وزان الجمل الخبریّة، فیکون فیها المفهوم؛‏‎ ‎‏لأنّها ترجع إلی الجملة المشتملة علی المعانی الکلّیة، وهو قوله: «إن جاء زید‏
‎[[page 45]]‎‏فحکم الله تعالیٰ هو وجوب إکرامه».‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ الاُمور مفوّضة إلیهم ـ صلوات الله تعالیٰ علیهم ـ کما‏‎ ‎‏عن جماعة، ولکنّه خلاف ما علیه المحقّقون. هذا أوّلاً.‏

وثانیاً :‏ أنّ الإرجاع المزبور غیر لازم؛ لإمکان أن یکون الإنشاء إرشادیّاً،‏‎ ‎‏ومع ذلک لایکون راجعاً إلی الکلّیة والإخباریّة، بل وزانه وزان المنشأ الثابت، فإن‏‎ ‎‏کان المنشأ الثابت جملة شرطیّة مشتملة علی الهیئة فی الجزاء، فهو هنا وفی مرحلة‏‎ ‎‏الإرشاد کذلک.‏

‏وإن کانت جملة مشتملة علی المعنی الاسمیّ العامّ، فهی فی مقام الإرشاد‏‎ ‎‏أیضاً مثله؛ لئلاّ تلزم الخیانة فی الحکایة.‏

‏فعلیٰ هذا ، لو کان المفهوم متوقّفاً علی کلّیة المعنیٰ وعموم الموضوع له،‏‎ ‎‏فلاتنحلّ المشکلة بمثله الذی زعمه الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‎[12]‎‏ فراجع.‏

وثالثاً :‏ قد تصدّوا للجواب عن هذه المشکلة، وهو بین ما یکون جواباً عرفیّاً‏‎ ‎‏وتمسّکاً بذیل العرف، وبین ماهو جواب صناعیّ :‏

فمن الأوّل :‏ ما ذکرناه‏‎[13]‎‏ من أنّ من الممکن وقد وقع کثیراً، التصریح‏‎ ‎‏بالمفهوم فی القضایا الشرعیّة، من غیر أن یترقّب العرف وینظر إلی جهة العموم‏‎ ‎‏فی وضع الحروف وخصوصه، بل الکلّ یشهدون بأنّ قوله: «وإن لم یجئ زید‏‎ ‎‏فلا تکرمه» مفهوم قوله: «إن جاء ...» إلی آخره، ومقصوده نفی الوجوب عند‏‎ ‎‏سائر الخصوصیّات.‏

‏بل هو یفید أمراً آخر: وهو تحریم الإکرام عند سائر الخصوصیّات؛ بناءً علیٰ‏
‎[[page 46]]‎‏کون النهی مفیداً للحرمة فی أمثال المقام.‏

‏وهذا ممّا یشهد علیه الوجدان، ویصدّقه العرف الدقیق. ولایحمل قوله‏‎ ‎‏المصرّح به علیٰ أنّه لیس مفهوم الجملة الاُولیٰ، أو یکون لنفی ما یحکم به العقل؛‏‎ ‎‏وهو الحکم الشخصیّ.‏

‏ولعمری، إنّ هذا هو أمتن الوجوه العرفیّة التی تمسّک بها مثل الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فی‏‎ ‎‏«طهارته»‏‎[14]‎‏، وتبعه «تهذیب الاُصول»‏‎[15]‎‏ وتمسّک به «الدرر»‏‎[16]‎‏ والعلاّمة‏‎ ‎‏النائینیّ‏‎[17]‎‏ ‏‏رحمهماالله‏‏ والأمر سهل.‏

ومن الثانی :‏ ما ذکرناه‏‎[18]‎‏، وربّما یستظهر من العلاّمة المحشّی‏‎ ‎‏الأصفهانیّ ‏‏قدس سره‏‎[19]‎‏: وهو أنّ قضیّة إثبات العلّیة المنحصرة نفی الأحکام المماثلة‏‎ ‎‏للحکم المذکور فی التالی، وإلاّ یلزم کونه لغواً أو خلفاً؛ ضرورة أنّ کلّ معلول‏‎ ‎‏شخصیّ علّته وحیدة طبعاً ومنحصرة عقلاً.‏

مثلاً :‏ حرارة الماء الموجود فی القدر علّتها إذا کانت النار، فهی وحیدة‏‎ ‎‏ومنحصرة، ولا داعی إلیٰ إثبات حصرها؛ لأنّها واقعیّة ثابتة بالضرورة، فإذا اُرید‏‎ ‎‏إثبات انحصار علّة حرارة الماء، فلایکون المقصود إلاّ أنّ سائر الموجبات للحرارة‏‎ ‎‏لیست قابلة لتسخین الماء، فیکون الغرض نفی العلل الاُخریٰ عند وجودها عن‏‎ ‎‏التأثیر فیه، ونفی الحرارة عن الماء إلاّ عند ثبوت النار.‏


‎[[page 47]]‎‏وهنا الأمر کذلک، فإنّ من إثبات حصر العلّیة بالمجیء، لایکون المقصود إلاّ‏‎ ‎‏نفی الوجوبات الاُخر عند وجود الخصوصیّات الاُخریٰ، وإلاّ فلو کان الحکم‏‎ ‎‏المذکور فی القضیّة مورد النظر ثبوتاً ونفیاً، فلا معنیٰ لإثبات الحصر، فنفی الأفراد‏‎ ‎‏الاُخر المماثلة للحکم الشخصیّ المذکور فی التالی، من تبعات حصر العلّیة الثابت‏‎ ‎‏للمقدّم، فافهم واغتنم.‏

أقول :‏ العلّیة المنحصرة إن کانت تثبت بالإطلاق، فکما هی لاتثبت فی‏‎ ‎‏القضایا الشرطیّة التی یکون المفهوم فیها مسلوب الموضوع، کما فی القضایا الاُولی‏‎ ‎‏التی مرّ تفصیلها‏‎[20]‎‏، کذلک هی لاتثبت فی المقام؛ لأنّ الدلالة الوضعیّة الثابتة فی‏‎ ‎‏التالی توجب الظهور المنجّز، وهو مقدّم علی الظهور الإطلاقیّ.‏

‏نعم، إذا قلنا: بأنّ استفادة الحصر مستندة إلی القاعدة العقلیّة المشار إلیها‏‎[21]‎‏،‏‎ ‎‏کان لهذا الحلّ الصناعیّ محلّ.‏

‏ومن الممکن دعوی انحلال المعضلة مطلقاً حسب الصناعة؛ لأنّه لایتوقّف‏‎ ‎‏علیٰ کون المنشأ فی التالی سنخ الحکم؛ حتّیٰ یقدّم الظهور الوضعیّ علی الإطلاقیّ،‏‎ ‎‏بل المنشأ فی التالی علیٰ کلّ تقدیر شخص الحکم، ولکن معنی الحکم المماثل‏‎ ‎‏موقوف علیٰ إثبات حصر العلّیة، فلو ثبت فلابدّ من نفیه بحکم الضرورة.‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 48]]‎

  • ))الحجرات (49) : 6 .
  • ))النور (24) : 33 .
  • ))نهایة الاُصول : 298 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 178 ـ 179 .
  • ))مطارح الأنظار: 173 / السطر 19 ـ 27، نهایة الأفکار 2 : 474 ـ 475، مناهج الوصول 2: 188 .
  • ))هدایة المسترشدین: 281 / السطر 15 ـ 16 .
  • ))کفایة الاُصول : 25 و 237 .
  • ))نهایة الأفکار 1 : 53 ـ 54 .
  • ))درر الفوائد، المحقّق الحائری : 196 .
  • ))هدایة المسترشدین : 281 / السطر 10 ـ 14 .
  • ))غرر العوائد من درر الفوائد: 77 ـ 78 .
  • ))نهایة الاُصول : 131 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 6 ـ 7 .
  • ))الطهارة ، الشیخ الأعظم الأنصاری : 49 / السطر 26 .
  • ))تهذیب الاُصول 1 : 431 ـ 432 .
  • ))درر الفوائد، المحقّق الحائری: 197 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 484، أجود التقریرات 1: 420.
  • ))تقدّم فی الصفحة 33 .
  • ))نهایة الدرایة 2 : 416 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 42 ـ 43 .
  • ))تقدّمت فی الصفحة 32 ـ 33 .

انتهای پیام /*