الجهة الاُولی : فی الأسباب
لو تعدّد الشرط واتحد الجزاء حقیقة وثبوتاً، وکانت وحدته مفروغاً منها، فهل یمکن الالتزام باقتضاء کلّ واحد من الشرطین أثراً مخصوصاً به وسبباً خاصّاً،
[[page 85]]أم لا ؟ وهذا هو الجهة الاُولیٰ.
والذی هو التحقیق فی هذه المسألة: أنّ تعدّد الأمر تأسیساً مع وحدة الآمر والمأمور غیر ممکن؛ لأنّ تشخّص الأمر التأسیسیّ والإرادة المظهرة بالمراد، ولو کان المراد واحداً فی الإرادتین فلابدّ وأن تکون الإرادة واحدة بالسنخ وإن کانت متعدّدة بالشخص، وإذا کانت هی واحدة فالحکم واحد، ولکنّ الثانی یکون تأکیداً.
إن قلت : الإرادة فی جمیع أنحاء الأحکام واحدة بالسنخ، مع تعدّد الحکم تأسیساً.
قلت : نعم، إلاّ أنّ المراد من الوحدة السنخیّة هو أنّ الإرادة فیما نحن فیه مع وحدة المراد ـ وهو التوضّؤ وصلاة الآیة ـ تنشأ من منشأ واحد، ومیزان تعدّد الحکم تعدّد مناشئه؛ لاختلاف الحکم باختلاف تلک المناشئ الراجعة إلی المصالح والمفاسد، ولاشبهة فی أنّ التوضّؤ بطبیعته الوحدانیّة، لیس إلاّ ذا مصلحة موجبة للأمر به، ولا معنیٰ للأمرین التأسیسیّین فی هذه الصورة.
إن قلت : لیس معنی للإرادة التأکیدیّة وللبعث التأکیدیّ، بل الأمر الثانی ـ کالأمر الأوّل ـ تأسیسیّ، إلاّ أنّ بعد ملاحظة وحدة المتعلّق یحکم بأنّ الوجوب متأکّد، والثانی مثلاً مؤکّد للأوّل من غیر أن یکون الثانی منشأ بعنوان التأکید.
قلت : الأمر کذلک، ولکن المقصود من «التأسیس» هو کون الثانی مستتبعاً للعقاب الخاصّ، وللثواب والإطاعة المخصوصة، مع أنّ الأمر لیس کذلک، فالمقصود من نفی التأسیس هو نفی ذلک بنفی آثاره الخاصّة، وعندئذٍ یرجع السبب الثانی إلیٰ سقوطه عن السببیّة؛ سواء کان تعدد السبب نوعیّاً، أو کان تعدّد السبب شخصیّاً.
[[page 86]]وقد مضیٰ تفصیل هذه المسألة فی بحوث اقتضاء الأمر للتکرار وعدمه، وبعضِ المناسبات الاُخر، ولعلّه من المسائل الواضحة بالتأمّل وإن خفی علیٰ بعض أهله، کما تریٰ.
إن قلت : مع وحدة الآمر وغفلته، یمکن الالتزام بتعدّد الأمر التأسیسیّ فی مفروض الکلام.
قلت : نعم، إلاّ أنّه مضافاً إلی امتناع الغفلة فی الشرع الإسلامیّ، لایخرج بذلک الأمر الثانی عن التأکیدیّ إلی التأسیسیّ؛ لما لایترتّب علیه آثاره من تعدّد العقاب والثواب بعصیانهما. والقول بالاشتداد فیهما مجرّد تخیّل؛ لأنّه لابدّ من إثبات التعدّد حتّیٰ یشتدّ، ولا شبهة عقلاً ولا فی نظر العقلاء بأنّ الثانی لایستعقبه شیء من آثار الأمر التأسیسیّ.
نعم، إذا أمر الوالد بشیء، والاُمّ بذلک الشیء یتعدّد الأمر التأسیسیّ بالضرورة، کما یتعدّد بتعدّد المکلّف والمأمور.
وتوهّم : أنّ وحدة الطبیعة تستلزم وحدة المصلحة الباعثة للأمر، فی غیر محلّه؛ لأنّ أغراض الآمرین ربّما تکون مختلفة حسب أوامرهم، کما لایخفیٰ. مع أنّ تعدّد العقاب تابع لتعدّد الأمر التأسیسیّ، وهو مع وحدة الآمر والمأمور والمأمور به غیر ممکن، فتأمّل جدّاً.
وربّما یقال : إنّ من الممکن کون الطبیعة مهملة، وعندئذٍ مع وحدتها یمکن تعلّق الأمرین التأسیسیّـین بهما.
[[page 87]]وغیر خفیّ : أنّ الإهمال الثبوتیّ غیر معقول، فیکون خارجاً عن محطّ الکلام؛ للزوم تعدّد السبب، والإهمال الإثباتیّ ممکن، ویکون حینئذٍ أیضاً خروجاً عن البحث؛ لما عرفت: من أنّ الفرض ثبوت الإطلاق.
ومن هنا یظهر : أنّ ما نسب إلی الشیخ الأعظم قدس سره فی «تقریرات» جدّی العلاّمة رحمه الله: «من أنّ المراد من المسبّب هو التوضّؤ» فی غیر محلّه إذا کان مورد کلامه هذه المسألة؛ لما لایعقل مع وحدة الوجوب البحثُ عن تداخل الأسباب وعدمه، فیعلم منه أنّ المقصود هو التوضّؤ، ویکون هو المسبّب الواحد ثبوتاً.
نعم، فی المسألة الآتیة یجوز أن یجعل کلّ من الوجوب والطبیعة مراداً من «المسبّب» من غیر الحاجة إلی التأویل، ومن غیر کونه اضطراباً فی کلامه رحمه الله کما فی تقریرات سیّدنا الاُستاذ البروجردیّ رحمه الله فراجع. وکان ینبغی أن نبحث عن ذلک فی الاُمور السابقة کما لایخفیٰ، والأمر سهل.
[[page 88]]