المقام الثالث : فی الدلیل الخارجیّ علی التداخل
وقد عرفت منّا : أنّ ما دلّ علیٰ إجزاء الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة فیما یتعدّد السبب نوعاً، یکون علیٰ وفق القاعدة التی حرّرناها، وفیما یتعدّد السبب شخصاً یحتاج التداخل إلی دلیل.
بل لأحد أن یقول: لایعقل التصرّف فی مقام الامتثال إلاّ بالتصرّف فی مقام الجعل، ولایعقل أوسعیة مقام الامتثال عن مقام الجعل.
وإن شئت قلت : لایمکن بعد کون الفعل المشتغل به متعدّداً فی الاعتبار وفی الذمّة، ویکون المفروض کون کلّ نوم سبباً لوضوء مخصوص به، تداخلُ المسبّبات إلاّ برجوعه إلیٰ تداخل الأسباب، وصیرورة الذمّة مشغولة بالواحد؛ وذلک لأنّ اعتبار التعدّد لغو وإن کان یمکن انطباق المأمور به علی الخارج. بل لایمکن انطباقه علیه بعد فرض أنّ معلول کلّ واحد من أشخاص النوم، فرد من الوضوء غیر الفرد الآخر فی الاعتبار.
وهذا هو ما أفاده الشیخ قدس سره: من أنّ تداخل الفردین ممتنع وإن کانا فردین عنواناً؛ لأنّ لحاظ الفردیّة ممّا یتقوّم به تعدّد المسبّب فی الذمّة، وإذا کان الأمر
[[page 119]]کذلک، فکیف یتمکّن المولیٰ من الترخیص بالاکتفاء بواحد عن الأفراد إلاّ بذهوله عن لحاظ الفردیّة الراجع إلیٰ ذهوله عن الأسباب المتعدّدة؟! فالتصرّف فی مقام الامتثال فیما یقتضی القواعد جواز التداخل جائز، ولیس بلازم، وفیما تقتضی القواعد عدم التداخل غیر جائز وغیر ممکن.
فتحصّل لحدّ الآن : أنّ فیما یتعدّد السبب نوعاً یمکن التداخل؛ لأجل أنّ الجزاء هی الطبیعة المتقیّدة بالقیود، القابلة للجمع فی الذهن مع وحدة تلک الطبیعة، کما فی الأغسال المتنوّعة بالقیود الذهنیّة ، وأمّا فیما کان الجزاء عنوان مصداق الطبیعة ـ وإنّ کلّ فرد من النوم یقتضی فرداً من الوضوء ـ فلایمکن أن تنطبق العناوین علی الخارج.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّه یمکن الالتزام بالإجزاء هنا حسب القواعد والشرع أیضاً؛ لأنّ ماهو فی الجزاء مورد الأمر هو الفرد العنوانیّ والمصداق المفهومیّ، لا الخارجیّ، فإذن یجوز الاکتفاء بقصد القیود المأخوذة فی الجزاء، والإتیان بمصداق واحد.
وبالجملة : لایتصوّر أن یتصرّف الشرع فی مقام الامتثال، إلاّ بعد التصرّف فی مقام الجعل، فلایجوز أن یکتفی بالغسل مع نیّة الجنابة عن سائر الأغسال الاُخر من دون أن ینویها، أو یجتزئ بغسل بلا نیّة خاصّة عن سائر الأغسال إلاّ بعد انصرافه عن مطلوبه، وإذا صار مطلوبه واحداً فیرجع إلیٰ وحدة المسبّب الراجعة إلیٰ وحدة السبب، وهذا هو ما أشرنا إلیه فی صدر المسألة؛ من أنّ أوسعیّة مقام الامتثال ممّا لایعقل، ویرجع ذلک إلی التصرّف فی مقام الجعل، کما فی جمیع القواعد المضروبة فی مقام الامتثال، کقاعدة التجاوز وأمثالها، فلاحظ واغتنم.
فتحصّل : أنّه مع الإقرار بتعدّد السبب والمسبّب، لایعقل تداخل السبب تعبّداً إلاّ برجوعه إلی وحدة المسبّب الملازمة لوحدة السبب.
[[page 120]]نعم، فیما یجوزالتداخل عقلاً یصحّ التعبّد. ولو کان فی مورد یحکم عرفاً بعدم جوازالتداخل، یمکن أن یحکم شرعاً بالتداخل؛ لما لایلزم منه المحذور کما لایخفیٰ.
[[page 121]]