الجهة الاُولیٰ : فی القضیة السالبة المشتمل جزاؤها علی ألفاظ العموم
فی أنّ القضیّة الواردة إذا کانت سالبة، وکان الجزاء مشتملاً علیٰ ألفاظ العموم؛ بناءً علی القول بذلک، فهل یستفاد من تلک القضیّة العامّ المجموعیّ، أو الاستغراقیّ؟
مثلاً : إذا ورد «إن جاءک زید لاتکرم کلّ عالم» فهل مفاده النهی عن إکرام مجموع العلماء، أم النهی عن إکرام کلّ واحد منهم؟ وجهان لایبعد الثانی.
وعلیٰ کلّ تقدیر : فهل یکون مفهومه العامّ الاستغراقیّ، أو المجموعیّ؟ مثلاً إذا فرضنا أنّ مفاد قوله: «لاتکرم کلّ عالم» یکون العامّ المجموعیّ، فهل یمکن دعویٰ أنّ المفهوم هو العامّ الاستغراقیّ؛ ضرورة أنّ قوله فی المفهوم: «إن لم یجئک زید فأکرم کلّ عالم» ظاهر فی العموم المزبور بالضرورة؟
أم لایجوز ذلک؛ لأنّ المفهوم تابع المنطوق ، وتابع الدلیل القائم علیه، ولایجوز الأخذ بظهور القضیّة المفهومة من القضیّة الملفوظة؟ کما عرفت منّا فی المباحث السابقة عند البحث عن أنّ مفهوم قولک: «إن جاءک زید فأکرمه» هل هو حرمة الإکرام عند المجیء، أم نفی سنخ الحکم؟ وکان القول بالحرمة قویّاً؛ لأنّ الظاهر من المفهوم هو النهی، مع أنّه ظاهر لایجوز الأخذ به؛ لأنّه ظهور استکشافیّ
[[page 122]]من العلّیة الثابتة فی المنطوق للشرط بالنسبة إلی الجزاء.
فالأمر هنا کذلک؛ فإنّ قضیّة مقدّمات الحکمة هو أنّ مجیء زید علّة مثلاً لتحریم إکرام کلّ عالم علیٰ سبیل العامّ المجموعیّ، والمفهوم عندئذٍ وإن کان ظاهراً فی العامّ الاستغراقیّ والاُصولیّ، ولکنّه غیر مأخوذ به بالضرورة، فکما أنّه فی جانب الهیئة لایکون مفادها إیجاب الإکرام، بل مفادها تابع لما ثبت فی المنطوق، کذلک مفاد المادّة.
فإذا قیل : «إن جاءک زید فلاتکرم کلّ عالم» وقلنا إنّه ظاهر فی العامّ المجموعیّ بحسب المنطوق، فمفهومه حسب ظاهر اللفظ «إن لم یجئک فأکرم کلّ عالم» وهو ظاهر بالضرورة فی وجوب إکرام کلّ واحد من العلماء علیٰ سبیل العامّ الاستغراقیّ، ولکن لاسبیل إلی التمسّک بهذا الظاهر المولود من القضیّة اللفظیّة، ولایکون مفاد هیئة «أکرم» إیجابیّاً، ولا مفاد «کلّ عالم» عموماً استغراقیّاً؛ للزوم خروج المفهوم عن تبعیّة المنطوق، ویکون حینئذٍ جملة مستقلّة فی الإفادة والاستفادة، وهو غیر صحیح.
فما هو المفهوم واقعاً للقضیّة المزبورة «إن لم یجئک فلا یحرم إکرام مجموع العلماء» وأمّا فی مقام الظاهر فالمفهوم خلافه؛ لأنّه یصیر هکذا «وإن لم یجئک زید فأکرم کلّ عالم» فافهم واغتنم، وکن علیٰ بصیرة.
ومن هنا یظهر : أنّ ما اشتهر فی کلماتهم صدراً وذیلاً «من أنّ المفهوم والمنطوق متّفقان فی جمیع الموادّ، ومختلفان فی السلب والإیجاب» غیر تامّ، بل المفهوم تابع لدلیله وسببه، ولاینظر إلی الموادّ المأخوذة فی ظاهر القضیّة؛ للزوم
[[page 123]]الإغرار والجهالة.
[[page 124]]